في يوليو 2020، دخل الإعلامي محمود سعد عالم يوتيوب، بإنشاء قناة خاصة تحمل اسمه، يبث من خلالها مقاطع متنوعة يسرد فيها أجزاءً من حكاياته التي لا تنته.
بدأت القصص التي يرويها من عتبات حياته الشخصية وتعلّقه الشديد بوالدته، مروراً بالغصّة التي لم يتخلّص منها بعد بسبب إهمال والده لهم، والتفاته لحياته بعيداً عنه وعن إخوته، وصولاً لحكاياته مع مشاهير الفن والإعلام والسياسة والمجتمع، الذين جمعته بهم علاقة صداقة وطيدة، أو مواقف لم يسمع بها الجمهور من قبل.
نرشح لك: 7 تصريحات لـ ياسر الزهار في صالون إعلام دوت كوم بالشراكة مع مكتبة وهبان
محمود اعترف في البداية بأنه تردد كثيراً في اتخاذ هذه الخطوة بالدخول لعالم يوتيوب، بل رفضها مراراً، وأن القلق طبعه وديدنه في البدايات، لكنه يتفاجأ دوماً بنجاحه الكبير فيما لم يُخطط لدخوله بالأصل، معترفاً بأن حياته كلها تسير بهذا الشكل. وكيف لا! وهو قد بدأت شهرته أصلاً بعد سن الأربعين، حين ترك الصحافة بعد 20 عاماً من النجاحات ليبدأ رحلة جديدة تماماً (لم يسع إليها) أمام الكاميرات.
اللافت أنه بعد دخوله يوتيوب غاب عن شاشات التلفزيون لنحو عامين متواصلين (لأسباب متعددة)، ثم عاد بشكل متقطع بحلقات من برنامجه الاجتماعي "باب الخلق"، ثم توقف البرنامج وعاد مجدداً، ثم دخل في تجربة "كامل العدد" المختلفة بإجراء حوارات على المسرح!
كل هذا دعم تجربته في يوتيوب، لأنه بين التنقلات والعثرات والنجاحات، تأكد الجمهور من أن المنبر الوحيد والدائم لمتابعة الإعلامي الشهير، والمضمون لحكاياته العفوية بعيداً عن نمطية البرامج وحوارات الضيوف، هو يوتيوب.
بمرور الوقت؛ تشعّبت القصص والحكايات التي يرويها على قناته، زادت الإشادات بالمحتوى الذي يقدمه الإعلامي المخضرم، وزاد الإعجاب بطريقته العفوية في السرد، بلا تكلّف أو تجميل، توالت المطالبات بالمزيد من الحكايات، وارتفعت نسب المشاهدة حتى اقتربت من ربع مليار مشاهدة حتى الآن.
بعد 4 سنوات من إنشاء القناة، وبعد أشهر قليلة من تخطيه سن السبعين، حصد محمود سعد الدرع الذهبي من يوتيوب في النصف الأول من سبتمبر 2024، بعد تجاوز عدد مشتركي قناته مليون مشترك.
آنذاك احتفى سعد بالدرع، ووجه الشكر للجمهور وليس لنفسه، وحينها أيضاً تساءلت في نفسي: كيف حدث هذا التحول الكبير في حياته؟ من الإعلامي رقم (1) في مصر والذي يحصد جوائز في كل مكان بسبب نجاحاته في التلفزيون، إلى صاحب محتوى يحتفي بدرع يوتيوب؟! كيف نجح في هذا وذاك بدون فقد بريق النجومية؟
اليوم، وفي الساعات الأولى من بداية عام جديد في حياتي، وجدت الإجابات على تلك الأسئلة، حين صادفني فيديو لمحمود سعد، يعود تاريخه إلى 3 سنوات مضت، اعترف فيه بأنه بدأ تصوير فيديوهات يوتيوب على استحياء.. "كنت مكسوف جدا، وما زلت حتى الآن، لكن مش بظهر ده".
قلت: إذن الأمر ليس شجاعة طبيعية!
"اليوتيوب تعبت فيه أضعاف تعبي في التلفزيون لأنه قلّب عليّ المواجع والذكريات، بس برضو فكّرني بالأيام الحلوة، وإن الحياة مبتقفش.. مهما زرجنت لازم يتلّف المسمار في النهاية وتدور تاني".
حسناً.. تبدأ الحكاية بالإصرار وعدم اليأس.
"مبهتمش بأرقام المشاهدات قد اهتمامي بتقديم حاجة مفيدة، وده لا ينفي تأكيدي إن فيه مرحلة في حياة الإنسان لا بد يهتم فيها بالأرقام، يعني لما مرتبه يزيد ده معناه إنه بينجح في شغله، لما منصبه يتغير لحاجة أعلى فده مؤشر كويس وهكذا.. ده مهم، لكن الأهم إنك تحس إنك بتعمل حاجة كويسة".
كلامه هذا يعني الوعي والإدراك لمقتضى الحال ومكتسبات المراحل العمرية.. ثم!
"اوعى تعمل فرق بين الكلام عن أرسطو وأفلاطون وبين الكلام عن صينية البطاطس.. ".
ماذا؟!!
"يعني صينية البطاطس باللحمة دي أكلة جميلة بتبسط الإنسان وتخليه ينتعش ويتعامل مع الحياة بطعم مختلف، لكن مينفعش الإنسان يبقى عارفها هي بس، وبرضو مينفعش يتكلم عن أرسطو وأفلاطون بس.. هيبقى دمه تقيل ساعتها.. مهم تعرفهم الاتنين وتتكلم عن كل حاجة بنفس الحماس بس في وقتها.. الكلام في وقته ومكانه هو ده أجمل حاجة في الحياة".
تشبيه عظيم.. وصحيح.
"أنا في سن متأخر، وبقولك كل التغييرات دي قَدَر.. كل ده بيصنع البني آدم ويصقله.. الحياة فيها كل الحاجات اللي تفرحك وتديلك الهمّة بس دوّر عليها.. والله ما في حاجة في الحياة أهم من إن الواحد يكون عنده همّة".
وكيف السبيل؟
"لما أمي دعت لي (ربنا يحبب فيك خلقه) الدعوة استجيبت.. لكن ما زلت بدعي ربنا أقدّم حاجة طيبة أكون فخور بيها.. عشان كده مبفرقش أبداً بين الاهتمام بإني أكلمكم عن أرسطو أو سياسة أو فن أو رياضة أو حتى صينية بطاطس.. كل دي حاجات لما تتحط في عقلك وفي وقتها بتخليك إنسان أحلى.. وكلنا نستحق نكون أحلى".
شكراً محمود سعد على النصائح الثمينة، والتأمل البديع في الحياة، والحديث العفوي الممتع الذي يأتي في وقته دائماً.. حتى وإن كان عن "صينية بطاطس"!