إيجابيات خلفها "طوفان الأقصى" في ذكراه الأولى
لا أحد قد يتصور أن عملية "طوفان الأقصى" وما تابعها من انتهاكات قد مضى عليها عاما كاملا.. عاما كاملا قتل فيه الأبرياء من شعب فلسطين الشقيق الصامد من رجال ونساء وأطفال على يد الاحتلال الصهيوني الغاشم، ولا زالوا حتى هذه اللحظة يتكبدون يوميا بل كل ساعة ودقيقة العديد من الخسائر في الأرواح والمباني، ولا حيلة لهم سوا الدعاء والصمود من أجل الحفاظ على وطنهم.
ويتمنون أن يصل صوتهم إلى العالم أجمع، من أجل التنديد بما يحدث لهم ويستغثون مما يعانون منه، رغبة منهم في الوصول إلى حل لهذه القضية، ولكن وبعد مرور عام ما زالوا يعانون وينزفون كل طاقتهم دون رحمة.
ورغم كل ما يعانوه إلى أنهم استطاعوا أن يوقظوا نفوس العديد من المواطنين في دول العالم كافة، وإن كان بعضهم حاولوا بكل استطاعتهم مساندتهم ودعمهم بالمواقف العديدة حتى وهم في منازلهم، في محاولة منهم للتعبير عن تضامنهم قلبا وقالبا مع الفلسطينيين، ومن هنا جاءت إيجابيات "طوفان الأقصى" على النحو الآتي:
مقاطعة المنتجات الداعمة لـ إسرائيل
بعد أيام قليلة من "طوقان الأقصى" قرر العديد من المواطنين في دول العالم مقاطعة المنتجات التي يدعم أصحابها الكيان الإسرائيلي، كي لا يساهموا بأموالهم في دعم إسرائيل بأي طرق ممكنة، ولجأ المواطنين في مصر على سبيل المثال إلى المنتجات المصرية ولا زالوا مستمرين في المقاطعة حتى وقتنا الراهن وأكدوا أنهم سيستمروا للأبد، ومن هنا ذاع شهرة العديد من المنتجات المحلية لعل أبرزها المنتج الأشهر لشركة المشروبات الغازية "سبيرو سباتس" والذي حقق مبيعات لا مثيل لها منذ بداية إنتاجه عام 1920.
وعي الشباب والأطفال بالقضية الفلسطينية
لم يكن الشباب والأطفال يعلمون الكثير عن القضية الفلسطنية وما يعانيه مواطنيها شبه يوميا من اعتداءات، ولكن مع تدفق العديد من الأخبار والأحداث المتلاحقة حول ما يعانيه الفلسطينيون خلال العام الماضي، باتوا يتساءلون عن تاريخ القضية الفلسطنية، وأصبحوا على دراية كافية بعدوهم الحقيقي الذي كبد أشقاءهم كل هذه المعاناة، حتى أنهم قرروا مقاطعة المنتجات الداعمة لإسرائيل واستمروا في نشر ما يحدث في فلسطين على مواقع التواصل الاجتماعي ومنهم من ساهم في جمع تبرعات أو يرتدون ملابس أو حقائب وغيرهما مصحوبان بـ"علم فلسطين" وغيرها من طرق دعم مختلفة.
وكانوا ينتقدون بعض المشاهير والإنفلونسرز ممن يمتنعون عن دعم فلسطين أو ينشرون حياتهم اليومية دون اكتراث لما يحدث في فلسطين، حتى وصل بهم الأمر إلى إلغاء متابعة العديد منهم.
اعتناق بعض الأجانب الإسلام
أشهرت "ميجان رايس" التيك توكر الأمريكية الشهيرة التي كانت لا تؤمن بأي دين، إسلامها وظهرت في 11 نوفمبر الماضي في فيديو مرتدية الحجاب، حيث إنها كانت تدافع عن أهل غزة وتهاجم الإبادة الجماعية، وتتساءل دوما عن سر صمود الشعب الفلسطيني، وأخبرها البعض أن ذلك نابع من إيمانهم بالله والقرآن، فقررت قراءة القرآن وقالت إنها اكتشفت الكثير من الأمور الإعجازية بين كلماته، ونطقت الشهادة.
ولم تكن "ميجاس رايس" وحدها من تتساءل عن سر صمود الفلسطينيون، بل أن بعض المؤثرون أعلنوا عن شرائهم لنسخة من المصحف الشريف للبحث فيه وتدبر آياته، لفهم ماذا يتعلم المسلمون ليكونوا بهذا الإيمان.
إحياء شخصية "حنظلة" الكاريكاتيرية
"حنظلة" شخصية كاريكاتيرية رسمها ناجي العلي في 1969 للتعبير عن غضب الطفل الفلسطيني واستخدمه فيما بعد للتوقيع على رسوماته، وهي ترمز لطفل نحيل، رث الثياب، حافي القدمين، بشعر حاد مثل القنفذ يضع يديه خلف ظهره؛ وتأتي كلمة "حنظل" من المرارة.
أعاد "طوفان الأقصى" إحياء "حنظلة" حين انتشر كثيرا في أعقاب حرب الاحتلال الإسرائيلي على غزة عقب السابع من أكتوبر، حدادا واعتراضا على ما يحدث للشعب الفلسطيني، حتى أن هوية "حنظلة" أصبحت نوعا من أنواع الاحتفال بعد إحراز الأهداف الرياضية واعتراضا على أحداث فلسطين.
اختلاق رموز جديدة لدعم القضية بسبب حظر "ميتا" للنشر
في 18 أكتوبر اشتكى العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي من حظر موقع "فيس بوك" نشر منشوراتهم التي تتضامن مع أحداث غزة، حتى أن فنان الراب ويجز قرر مقاطعة المنصة نهائيا جراء تصرفاتهم التي كانت تصب في صالح الإسرائيلين ضد شعب غزة.
وحاولوا التحايل على "ميتا" في بداية الأمر بتفريق الحروف، ومن ثم لجأوا لنشر منشورات لا علاقة لها بالقضية مصحوبة بتعليقات داعمة لفلسطين، وبعدما أصبح علم فلسطين محظورا استخدموا رمز "البطيخ" بدلا منه لتشابه ألوانهما معا، وكانت آخر هذه الحيل هي استخدام هاشتاجات داعمة لإسرائيل عند كتابة قصة قصيرة على "إنستجرام"، ومن ثم يقومون بإخفاءها، وكتابة ما يريدون من دعم لفلسطين، للتغلب على الخوارزميات ووصول ما ينشرونه إلى أكبر عدد.
كما أصبحت عبارة "كل العيون على رفح ALL EYES ON RAFAH"، التي استخدمها الدكتور ريك، ممثل الصحة العالمية، للتحذير من خطورة اجتياح جيش الاحتلال لرفح الفلسطينية، الأكثر تداولا في تاريخ "إنستجرام"، وتخطت الـ 40 مليون مرة، لأن التصميم صنع بواسطة الذكاء الاصطناعي فتمكن من الاحتيال على خوارزميات "ميتا"، وساعد في انتشاره مشاركة نجوم عالميين داعمين للقضية الفلسطينية به.
شهرة بعد الصحفيين والمراسلين الفلسطنيين
بعد "طوفان الأقصى" كان الجميع في بلدان العالم بحاجة إلى متابعة الأحداث المتلاحقة في غزة لحظة بلحظة وهو ما دفعهم إلى متابعة العديد من الصحفيين، منهم من كانوا يتمتعون بشهرة واسعة من قبل؛ مثل الصحفي وائل الدحدوح مراسل قناة "الجزيزة" الذي اُستشهد العديد من أفراد أسرته من بينهم زوجته وأبنائه، ولكنه ظل صامدا ينقل الأحداث دون كلل، حتى أنه استهدف هو الآخر، وخرج لتلقي العلاج في مطلع عام 2024.
وأيضا معتز عزايزة ذلك المصور الصحفي الفلسطيني الذي أصبح إحدى أيقونات معرفة الخبر، والذي بدأت شهرته بعد تعاطف رواد التواصل الاجتماعي معه عقب إعلانه عن وفاة نحو 15 فردا من أسرته، وفيما بعد استمر في نقل الأحداث التي تعبر عن كم معاناة شعب فلسطين، حتى من أقيم منهم في خيم اللاجئين من مرض وجوع وفقر وظروف حياة غير آدمية.
مشاهير أجانب دعموا القضية
ارتدت الممثلة الإسبانية إيتزيارد إيتونو، بطلة مسلسل "لا كاسا دي بابيل" الكوفية الفلسطينية في مهرجان عنّابة للفيلم المتوسطي بالجزائر، وأهدت جائزتها للفلسطنيين، كما أعلن الممثل الأمريكي مارك رافالو عن دعمه للقضية الفلسطينية مُطالبًا بضرورة وقف القتل والحرب.
وأطلق مغني الراب الأمريكي "ماكليمور" أغنية "قاعة هند" على اسم الطفلة الفلسطينية هند رجب التي استشهدت في غزة بعد أن حوصرت في سيارة، وذلك بعد أن أطلق المتظاهرون المؤيدون لفلسطين اسمها على قاعة هاميلتون في جامعة كولومبيا.
ورغم ما وضعه مهرجان "كان" السينمائي في دورته الـ77، من قيود حول الإشارة إلى ما هو ذات مغزى سياسي، إلا أن الفنانين أصروا على دعم فلسطين من خلال العديد من الرموز، منهم الفنانة الأسترالية كيت بلانشيت التي ارتدت فستان يشير إلى علم فلسطين.
وعارضة الأزياء بيلا حديد التي ارتدت فستان مستوحى من الكوفية الحمراء الفلسطينية، والممثلة الفرنسية الشابة باسكال كان، التي ارتدت فستاناً مكتوباً عليه "فلسطين" باللغة بالعربية، والفنانة الهندية كاني كوسروتي، التي حملت حقيبة على شكل بطيخة، التي أصبحت رمزاً للقضية الفلسطينية.. وغيرهم
وفي يونيو الماضي، انتشرت صور لنواب فرنسيين يرتدون ملابس بألوان العلم الفلسطيني خلال انعقاد الجمعية الوطنية، كما ووزّع نواب من أحزاب يسارية مقاعدهم بشكل يؤدي إلى رسم العلم الفلسطيني، ورفعت النائبة راشيل كيكي العلم الفلسطيني، وأيضا زميلها سيباستيان ديلوغو.
الرغبة في معرفة المزيد عن القضية الفلسطنية
رغب العديد من جيل الشباب في العودة إلى تاريخ القصية الفلسطينية لمعرفة ما تكبده الفلسطينيون بسبب الاحتلال الإسرائيلي منذ زمن بعيد، معتمدين على العديد من المصادر التي تشرح لهم القضية بسهولة ويسر، ولعل أشهرها كانت حلقة "الدحيح" التي قدمها أحمد الغندور تحت اسم "حكاية الأرض" عبر قناته على "يوتيوب"، والتي تناولت تاريخ فلسطين، وقيام الكيان الإسرائيلي على أنقاض وجثث السكان العرب الأصليين، حيث شاهدها نحو مليون ونصف خلال 24 ساعة.
وكذلك مسلسل "مليحة"، الذي تناول قصة شابة فلسطينية، تحاول العودة إلى بلدها ولكنها تمر بعقبات كثيرة، يساندها فيها ضابط جيش مصري، ضحى بروحه مرتين لإنقاذها، حتى وصلت إلى بلدها آمنة، وتختتم حلقاته بعودتها وبداية "طوفان الأقصى" وما تابعه من انتهاكات للشعب الفلسطيني.
لأول مرة.. إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية
مثلت إسرائيل للمرة الأولى في تاريخها أمام محكمة العدل الدولية، بعدما تقدمت جنوب أفريقيا بطلب دعوى لدى المحكمة تتهم فيه إسرائيل بانتهاك التزاماتها بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها.
خروج بعض الأسرى الفلسطينين
عقب "طوفان الأقصى" مباشرة استطاعت المقاومة الفلسطينية من أسر العديد من الجنود الإسرائيلين في العديد من الأماكن السرية، وهو ما زعزع استقرار الكيان الإسرائيلي حتى أنه حاول بشتى الطرق الوصول إلى أسراه لكن دون جدوي، ومع احتدام الحرب بينهما، توصلوا بمساعدة مصر وقطر إلى هدنة، وفي تلك الأثناء تم الإفراج عن عدد من الأسر الفلسطينين داخل سجون الاحتلال، مقابل استعادة الإسرائلين بعض رهائنهم.
في الختام.. هل إيجابيات "طوفان الأقصى" تستحق هذا الكم من المعاناة؟!
في واقع الأمر الإيجابيات سابق ذكرها لا تقارن بجحم المعاناة التي كان ولا زال الشعب الفلسطيني يعانيها يوميا، ولكن هل من مُجيب بعد كم هذه الصور المؤلمة؟ أم أننا في انتظار عاما آخر وربما أكثر كي يلتفت العالم إلى الأوضاع اللإنسانية.. نأمل في الختام أن يتحرك العالم من أجل هؤلاء الجنود المجهولة الذين يحاربون بأقل أسلحة ممكنة ولا يملكون سوى الصبر والإيمان واليقين، أمام هؤلاء الشياطين الذي يحرمونهم من أبسط حقوقهم!!