عصام شاهين
على مدار شهور؛ عاشت مصر أيام مقلقة تناثر حولها الجدل بعد تصريحات عدد من اللاعبين حول مخالفات جرت خلف الستار، انفرط عُقد الأزمات بتصريحات أطلقها الراحل أحمد رفعت حول تعرضه لأزمات نفسية تسببت في سقوطه طريح ملعب ستاد الإسكندرية في 11 مارس الماضي، وتوقف عضلة قلبه عن العمل لنحو ساعتين، عاد معها للعمل بما رآه البعض معجزة، أباح فيها عما يجول في خاطره عن تعرضه لضغوطات قوية أدت إلى أزمته الصحية ثم رحل في صمت في 6 يوليو 2024 مخلفاً الكثير من الأسئلة دون إجابات، ورجال في نيران الاتهامات، كل هذه السهام لم تكن لتُنصع لولا تصريح أحمد رفعت في برنامج تلفزيوني.
التقط الإعلام الرياضي بعض أنفاسه؛ حتى عاد أحمد القندوسي لاعب الأهلي المعار إلى سيراميكا كليوباترا ليكشف عن شبهات فساد تحيط بانتقال اللاعبين الأجانب إلى النادي الأهلي، ردا على اتهامه بإفشاله مفاوضات الأهلي لضم مواطنه زين الدين بلعيد، وفرض وكلاء لاعبين بعينهم للدخول في الصفقات حتى يحصلوا على نسبة من مبلغ البيع، وأنه أحد ضحايا هذه الأزمة، تصريحات زلزلت جدار الصمت داخل النادي الأهلي المصري، والذي قرر إجراء تحقيق فوري آل إلى إعلان النادي سلامة موقفه ومسئوليه من التهم الموجهة إليهما، مع عرض لاعبه للبيع.
زلزال تصريحات اللاعبين لم يشق فقط جدار الأزمات، بل جدار النجاحات أيضا؛ فمحمد مجدي أفشة نجم النادي الأهلي الفائز لتوه حينها بدوري أبطال إفريقيا؛ خرج ليؤكد أن 95 ٪ من الجمهور لا يفهم ما يدور داخل أرض الملعب، كاشفا وقوع مشاجرة داخل النادي الأهلي وتدخل لفضها، لكن كان رد الفعل غير لائق من أحد طرفيها، مع شعوره بالظلم لحصول زميله إمام عاشور على جائزة أفضل لاعب في مباراة الزمالك في نهائي كأس مصر، رغم إحرازه -أي أفشة- لهدف وصناعة آخر، تصريحات أثارت غضب إدارة الكرة في النادي الأحمر، فرض من خلاله عقوبات على اللاعب، واعتذار من جانبه.
رقميا؛ ومع انتشار البرامج الرياضية على مواقع التواصل الاجتماعي، خرج بعض اللاعبين المعتزلين ليفجروا عدد كبير من المفاجآت حول فترات لعبهم كرة القدم، فتحوا أبواب غرف تبديل الملابس بأسرارها المدفونة على مصراعيها أمام الجماهير، مترجم الأهلي السابق يخرج ليكشف عن رأي المدير الفني في لاعبي الفريق، لاعب الزمالك يوسف حسن يشتكي إهمال مسئولي النادي له، نجوم غادروا الملاعب لكنهم استمروا في القصف أشاروا لإيمان مدربيهم بالسحر وحسن الطالع، وآخرون يسبونهم في الكواليس، وما بين هذا أو ذاك، هل تبدو اعترافات اللاعبين خرقا للمبادئ؟ أم ضرورة لكشف الستار عن الحقائق المدفونة أسفل غرف الملابس؟
معلومات تقودنا لخيوط مع غياب التواصل الرسمي
يؤمن الإعلامي هاني حتحوت، أن التصريحات المثيرة للجدل للرياضيين لها عدة أوجه؛ الأول التجربة الشخصية للاعب، فمهم أن نسمع وجهة نظره، ويوفر لنا معلومات قد تكوّن خيوطاً تقودنا لمعلومات أخرى نراها بشكل أفضل، مع التأكيد أنه لا يحمل "القصة الكاملة"، وأن المؤسسة قد تحمل وجهة نظر لا يعلمها اللاعب أو لا يقتنع بها، والوجه الثاني أن المسألة تطرح أمامنا مشكلة غياب التواصل من خلال هذه المؤسسات، فقد تكون قرارتها وإجراءاتها صحيحة، لكن يعيبها أن المسئول غاب عنه التواصل؛ التواصل مع اللاعب ليشرح أسباب اتخاذ القرار فيشعر اللاعب بالظلم، والتواصل مع الإعلام لشرح وجهة نظر المؤسسة على أن يحلل الإعلام المشهد كاملا، ويحدد الصواب فيه من الخطأ.
وأضاف حتحوت أنه بدوره كإعلامي يسمع كل المعلومات، وتفتح هذه المعلومات جوانباً خفية، واستدل بذلك على قصة الراحل أحمد رفعت؛ "قصة رفعت كانت في عدم التواصل معه، وعدم التعامل معه تعامل مؤسسي سليم في خطوات خروجه للإعارة"، مضيفا أن "بعض الناس لا تحب اهتزاز صورتها، لانها -سواء كمشجع أو مسئول- لها صورة تحب أن تصدرها كونها لا تخطئ أو أنها تختلف عن غيرها" وفقا لقوله.
حتحوت كان حديث منصات التواصل الاجتماعي حين استضاف الدكتور وليد دعبس رئيس نادي مودرن فيوتشر في مداخلة حامية آل صداها إلى إعلان الأخير استقالته من رئاسة النادي، ويؤكد حتحوت أن هذه المناقشة لم تكن ضمن خطة برنامجه لهذا اليوم، وأن رئيس نادي مودرن فيوتشر هو من طلبها، مشيرا إلى أنه "من خلال متابعتي للقضية جمعت معلومات وأصبح لدي خيوط أمشي فيها لو كان هناك حواراً يخص رفعت، وأصبح حينها لدى مداخلة مع مسئول في قضية حولنا المعلومات في صيغة أسئلة، وتحرك الحوار في هذا التسلسل".
وقال حتحوت إن ظهور اللاعبين في البرامج بالطبع له مقاصد، ولكنها قد تكون متباينة، وعلى الإعلام توضيح الهدف من استضافته، قائلا إن الضيف قد يكون لديه أغراض ليست موضوعية، ويريد تصفية حساباته، يستطيع من خبرته في التواصل مع ضيوفه أن يميز هل يتحدث الضيف في مصلحة عامة أم في مصلحة شخصية، وهنا يوضح دور الإعلام "دورنا أن نمثل الطرف الآخر، ونواجه بردوده، ونحصل على رد من الطرف الآخر".
"التربية الإعلامية"
في ذات السياق؛ يقول الدكتور محمد فتحي أستاذ الإعلام بكلية الآداب جامعة حلوان؛ إن اللاعب المصري لديه مشكلة في التربية الإعلامية وكيفية التعامل مع وسائل الإعلام، "تربيته الإعلامية قاصرة"، وفقا لقوله، وهو لا يلجأ للإعلام -في الأغلب- إلا لتحقيق شهرة أو له حق مسلوب منه، بعيدا عن الظهور الخبري، مضيفا أن بعض اللاعبين يظهرون من أجل الحصول على مكافأة من البرنامج وإثارة الجدل وصنع الترند.
وأضاف فتحي أن اللاعب لم يعد يجري حواراته في الجرائد الورقية أو في المواقع الالكترونية، لأنه يسعى للقطة، وتستخدم بعض وسائل الإعلام لتحقيق أهداف بعض الرياضيين، في إلقاء الضوء عليهم لصناعة الريتش (الوصول)، فعلى سبيل المثال؛ ظهور عماد فاروق المعد النفسي غير موفق؛ فظهوره مهم للبعد الخبري، كونه رحل عن النادي الأهلي بعد مهمة عمل قصيرة، لكنه استخدم الإعلام للانتقام من منظومة أنهت تعاقده، وتعامل مع الحوار كونه "بيزنس" يصفي فيه حساباته، ويروح لمشروعه الشخصي الذي وضع له ميزانية بالدولار.
عماد فاروق أحد هؤلاء القاصفين لقلعة النادي الأهلي بتصريحاته المثيرة؛ إذ كشف عن تفاصيل اتفاقه على التعاقد مع النادي كمعد نفسي، وخلافه حول الراتب والمسمى الوظيفي داخل جدران النادي، وطلبه لـ٢٠ ألف دولار من كراتب شهري من النادي، مع اتفاق النادي معه على راتب ٢٠ ألف جنيه (٤٠٠ دولار)، ونشوب خلاف حول مسماه الوظيفي لرغبته في وظيفة مستشار نفسي للفريق، وهو ما قوبل بالرفض من النادي وإنهاء التعاقد معه بعد أيام قليلة من تعيينه.
وعن تعامل الإعلامي مع هذه اللقطات الجدلية أثناء استضافته للاعبين أو المسئولين؛ يقول فتحي إن الإعلام يجب أن يتعامل بشكل مهني بعيدا عن الإثارة واللقطات، وألا يرى في هذه الإثارة فرصة عظيمة لركوب الترند، وهو ما يدفعنا للحديث عن المؤتمرات الصحفية الرياضية في مصر؛ فأغلب الصحافيين الرياضيين يعبرون عن توجهاتهم وليس طبيعة مهنتهم، ويفرضون هذه التوجهات أثناء المؤتمرات الصحفية، كما يغيب عن بعض المحللين الرياضيين الأسلوب العلمي المقنع لتحليل المباريات، فلا يعطينا سببا علميا بالأرقام والإحصائيات عن خسارة هذا الطرف وفوز الآخر، فيصبح لدى بعضهم فرصة لتغليب توجهاتهم وآرائهم الشخصية، بل يتبرع بعضهم بإسداء النصائح للاعبين والمدربين.
يتفق شريف أشرف لاعب الأهلي والزمالك الأسبق، وصاحب مسيرة طويلة بين الأندية المصرية الجونة والإنتاج الحربي وفاركو وخارجها مع جدة السعودي وهلسنكي الفنلندي، على أن اللاعب له حق في الحديث عن مشكلات تعرض لها طالما لا يسئ لأحد بعينه أو يسعى لاستفزاز أشخاص أو تصفية حسابات تثير الرأي العام، مضيفا أنه لا يعيب اللاعب أن يتحدث عن مشكلته بمصداقية، مع الوضع في الاعتبار أن ما يحدث في الغرف المغلقة ليس سراً، ولكن يمكن ألا تظهر بعض المشاكل طالما في إطار العائلة الواحدة للفريق.
ويقول أشرف أن هناك بعض الترندات "كاشفة" لحقائق خطيرة، وليست كلها من أجل الشهرة، واستدل بذلك أيضا على واقعة اللاعب الراحل أحمد رفعت، قائلا إنها واقعة فساد واضحة، ظُلم فيها اللاعب، وحقه تماماً أن يتحدث ويكشف للناس ما مر به من أزمات، دون تزييف للحقائق، وفي أزمة اللاعب أحمد قندوسي لاعب الأهلي المعار لسراميكا كليوباترا؛ تحدث اللاعب عن أزمة وكلاء اللاعبين وجميعنا يعرف أنها حقيقية وموجودة على أرض الواقع، فوكلاء اللاعبين -وفقاً لقوله- تعمل تحت ظل الأندية وتسئ إليها في حالة وجود شبهات، ولا تهمها بالأساس مصلحة اللاعبين.
ويؤكد أشرف أنه حين يتحدث للإعلام لا يُخطط قبلها لإثارة الجدل أو تفجير مشكلة على منصات التواصل الاجتماعي، وأنه يتحدث بصراحة وشفافية دون اعتبار لما قد يسببه حديثه من أزمات، لكنه يؤكد أن هناك عدد آخر من اللاعبين يبحث عن الإساءة للأشخاص والبحث عن "اللقطة" مع الوضع في الاعتبار أن هناك إعلاميين يوجهون أسئلة مهنية لضيوفهم، وآخرين يبحثون أيضاً عن مشاهدات لبرامجهم بإثارة أسئلة قد تسبب مشاكل.
تستمر ملاعب كرة القدم في مصر في إفراز مواهبها، وتستمر استوديوهات ومنصات التواصل في إبراز ما يدور خلف الكواليس، يسدد اللاعب الكرة في الملعب والقنابل أمام الكاميرات، وما بين الكرات والقنابل، بين التشبث بالمبادئ، والتمسك بالحق المفقود، تظل الاختيارات دائما متباينة، والنتائج عنوان واحد: "تصريحات تثير الجدل"