خليل العوامي - من وجدة
تتواصل فعاليات المهرجان الدولي المغاربي للفيلم التي انطلقت في الخامس من نوفمبر الجاري وتنتهي في التاسع منه. وهي الدورة الثالثة عشرة تحت عنوان "السينما بين المواطنة والانتماء الإنساني" بمدينة وجدة المغربية العريقة، وبمشاركة عربية وأفريقية ودولية واسعة.
خليل العوامي
كان حفل الافتتاح على بساطته ذا قيمة فنية وإنسانية عظيمة تعكس تاريخ وثقافة وفنون مدينة وجدة، التي يعود تاريخها لألف عام، والتي اختيرت عاصمة للثقافة العربية لعام ٢٠١٨، بما تحمله هذه الألف عام من مخزون ثقافي وفني واجتماعي وسياسي، هضمت خلاله كل ما مر عليها من أحداث وثقافات وتحولات اجتماعية، واختلطت بمحيطها الإقليمي حيث إنها أقرب مدن المغرب للحدود المغربية الجزائرية. كما كانت في فترة من فتراتها مركزاً احتضن المقاومين الجزائريين الذين نظموا أنفسهم فيها وانطلقوا في حركتهم لمواجهة الاحتلال الفرنسي، مما دفع الاحتلال لدخولها بقواته ثلاث مرات كان آخرها عام 1907 وبقي فيها حتى فرض الحماية على المغرب 1912، ولم يخرج إلا عند استقلال المغرب عام 1956.
وبالعودة لحفل الافتتاح، فقد كانت عظمته في الإبهار دون مبالغة مع الاعتزاز بالفنون الفلكلورية المغربية عموماً، وتلك الخاصة بالجهة الشرقية ومدينة وجدة، ولعبت الفرق الموسيقية الفلكلورية دور البطل قبيل الافتتاح الرسمي وفي استقبال ضيوف المهرجان الذين حضروا من عدة دول عربية وأفريقية وأوروبية.
أما الافتتاح الرسمي الذي أقيم على مسرح الملك محمد السادس، فكان مفعماً بالحيوية والمشاعر بالفخر، مبعثهما هو شعور كبير لدى مؤسسي وإدارة المهرجان بأن المهرجان يكبر ويتوسع ويكسب شهرة دورة بعد أخرى، مما انعكس على عدد المشاركات ونوعيتها وتنوعها بين العديد من الدول العربية والأفريقية والأوروبية، وكذلك التنوع الكبير في تكوين لجان التحكيم، وإن كان واضحاً غلبة أفلام الدول المرتبطة باللغة والثقافة الفرنسية إلى حد كبير، باستثناءات قليلة.
اختارت إدارة المهرجان 18 فيلماً للمسابقتين مقسمة بالتساوي بين مسابقة الأفلام الطويلة ومسابقة الأفلام القصيرة، تمثل مصر وفرنسا والمغرب وتونس ومدغشقر وموريتانيا والسودان. كما أن فرنسا هي ضيف شرف المهرجان هذا العام.
وقد انعكس التنوع وأهمية المهرجان في أعضاء لجان التحكيم، حيث يترأس لجنة تحكيم مسابقة الأفلام الطويلة المخرج المغربي المعروف إدريس لمريني، وعضوية المخرجة الإسبانية مرسيدس أورتيغا، والمخرج والمنتج الفرنسي تشارلز سيبيتا، والكاتبة التونسية ميرفت مديني كامون، والممثلة الأنغولية فيرونيكا تشاندا.
ويترأس لجنة تحكيم الأفلام القصيرة الممثل والمخرج المغربي إدريس الروخ، وتضم اللجنة أيضاً الممثلة الفرنسية فاني باستين، والمنتج والمخرج الموريتاني محمد مصطفى، ومديرة مهرجان "نظرات نساء" التونسية منال السويسي.
وإلى جانب المسابقتين الرسميتين، هناك عشرات الأنشطة الثقافية والفنية وورش العمل المتخصصة في كل مجالات صناعة السينما من كتابة السيناريو، والتصوير، والمونتاج وغيرها، فضلاً عن عروض مخصصة للأطفال. وقد شهد المهرجان حضوراً لافتاً لطلاب المدارس منذ اليوم الثاني للاحتفال، بالإضافة إلى أنشطة خاصة بطلاب الجامعات.
حفل الافتتاح شهد تكريمين مهمين؛ أولهما كان للمخرج الموريتاني الشهير عبد الرحمن سيساكو، وهو مخرج مرموق معني بصورة أساسية في أعماله بقضايا أفريقيا من فقر وجهل وإرهاب وهجرة، وكان من أبرز أعماله فيلم "تمبكتو" الذي حصد به العديد من الجوائز العالمية.
أما التكريم الثاني فكان مصرياً خالصاً، بالاحتفاء بالفنانة المصرية الشابة سهر الصايغ وتكريمها رسمياً في الافتتاح على مجمل أعمالها، واللافت أن سهر حصدت مزيداً من تصفيق الحضور عند ذكر أدوارها الشهيرة في الدراما، ابتداءً من أداء دور كوكب الشرق أم كلثوم طفلة، وصولاً إلى آخر أدوارها الفنية في "المعلم" و"المداح" وغيرهما، وهو ما يعكس حضورها الفني لدى الجمهور المغربي. تبع ذلك مؤتمر صحفي لسهر الصايغ مع الصحافة المغربية والمصرية بمشاركة الناقدة المصرية ناهد صلاح، وأداره الكاتب الصحفي خليل العوامي.
الحضور المصري في المهرجان جاء من خلال مشاركة وحيدة عبر فيلم "٦٠ جنيه" للمخرج عمرو سلامة ضمن المسابقة الرسمية للأفلام القصيرة، وهو من إنتاج إسماعيل نصرت لعام ٢٠٢٣ وبطولة زياد ظاظا وطارق الدويري وحمزة دياب وروحية سالم، وشارك الفيلم في أكثر من مهرجان من قبل.
أما آخر حضور مصري لافت في المهرجان فكان بطله الكاتب والسيناريست دكتور مدحت العدل، الذي قدم ورشة عمل على مدار ثلاثة أيام حول كتابة السيناريو، وهي الفعالية التي لاقت قبولاً وإقبالاً واسعاً من كثير من ضيوف المهرجان بين عاملين بالمجال الفني ومديري مهرجانات محلية وكتّاب شباب، وكذلك طلاباً في تخصصات ذات علاقة بالمجالات الفنية.
ثلاثة أيام انقضت من المهرجان الدولي للفيلم المغاربي بوجدة، كان العمل الجماعي والدؤوب هو شعار الجميع ومحركهم الأساسي لخروج حفل الافتتاح بهذا التناسق، ابتداءً من خالد سلي، مدير المهرجان ورئيس جمعية "سيني مغرب" المسؤولة عن تنظيم المهرجان منذ دورته الأولى، وكنزة بوعافية، مسؤولة الإعلام والتواصل في المهرجان، وبينهما عشرات، إن لم يكن مئات، من الجنود المجهولين، كل منهم يعمل ما عليه دون ضجيج. كما لاحظت من الكلمات الافتتاحية خلال حفل الافتتاح حجم التضامن والتشارك بين الجهات التنفيذية في المدينة والجهات الاقتصادية والسياحية والمصرفية، لإخراج المهرجان بصورته النهائية البديعة.