"الجميلات قرابين الإله ونحن قرابين العصر الحديث"، جملة قيلت على لسان إحدى بطلات الأفلام الوثائقية القصيرة "من المسافة صفر"، التي تكونت من 22 فيلمًا، وأبرزت معاناة غزة في ظل ما تمر به منذ أكثر من 400 يوم حتى الآن!
"من المسافة صفر" للمخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي الذي رُشح للأوسكار لتمثيل فلسطين رسمياً في فئة الفيلم الدولي الطويل في الدورة السابعة والتسعين لجوائز الأوسكار لعام 2025، شارك ضمن فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ 45 التي انتهت فعالياتها بالأمس.
حكايات غزة تروى بعيون أهلها
بدأ عرض الفيلم في مهرجان القاهرة -بكل تأكيد- بالوقوف دقيقة صمت على كل شهداء غزة، واحتوى الفيلم على رؤى وتجارب وحكايات لمخرجين فلسطينيين من غزة، يحاولون إظهار المعاناة اليومية التي يعانيها الشعب الغزاوي منذ يوم 7 أكتوبر 2023 حتى الآن.
ففي أول فيلم تظهر شابة نعرف من خلال الأحداث القليلة بأنها نازحة من منطقة خان يونس في منتصف غزة للجنوب، تظهر على البحر تكتب للمجهول، تكتب لشخص لا تعرفه، تخرج مخاوفها في الكتابة تحاول أن تحكي ما مرت به، ثم تقرر إلقاء الرسالة في البحر.
مع انتهاء أول فيلم يظهر أب يبحث في الأنقاض على عائلته، يأتي الفيلم بعنوان “No signal” يوضح معاناة الأب في بحثه عن عائلته تحت الأنقاض دون إجابة من الطرف الآخر، يجري كالمجنون يحاول البحث عن قوات الإنقاذ المدني ولكن دون جدوى بسبب انشغالهم في إخراج جثث أخرى في أماكن أخرى!
في الحرب الكل يؤمن قوت يومه فقط!
بعد الاندماج مع الأب ومعاناته يظهر مخرج سينمائي فلسطيني في الفيلم الثالث والذي جاء بعنوان "Sorry Cinema"، يتحدث المخرج عن حياته قبل الحرب وأحلامه في عالم الإخراج وابتعاده عن الفن بسبب الحرب، بالإضافة إلى صعوبة وجود فن في غزة بسبب عدم وجود دار عرض واحدة!
وفجأة يظهر مُعلم يخرج من خيمته النازحة ويبحث عن قوت يومه الذي لا يستطيع الوصول له فيعود لخيمته بكل خيبة أمل بعد مروره على المخبز فيجده ممتلئًا، ويسعى لشحن هاتفه فقط فلم يستطع، يبحث عن مياه له ولعائلته فلم يستطع، ورغم ذلك في طريق عودته يقابل تلميذه الذي يأبى المعلم أن يطلب منه شيء ويؤكد له بأنه لا يريد شيئًا رغم أنه ينقصه كل شيء!
نبكي غزة ونبكي الواقع
تعالت أصوات البكاء في قاعة العرض مع انتهاء كل فيلم وظهور الفيلم الذي يليه، ورغم أنه تم اخبارنا بأن 11 فيلمًا سيعرضوا لمدة 55 دقيقة وإذا أردنا أن نرى البقية فسيفعلون ذلك إلا أننا بالفعل أجبنا بنعم بعد انتهاء أول 11 فيلم، رغم المعاناة التي عرضتها الأفلام، رغم قسوة ما نراه، وكأننا نريد أن تظل غزة ومعاناتها أمامنا حتى لا ننسى، لكي لا نصالح، رغم أننا نراها بشكل يومي في الأخبار والمقالات والفيديوهات وأعداد الشهداء -التي أصبحت للأسف في نظر الكثير مجرد عدد- إلا أن الفيلم يوضح بأنهم ليسوا كذلك فلكل شخص حياة كانت هادئة مستقرة قبل الحرب قبل خسارة كل شيء حتى النفس!
"كل غزاوي يقضي يومه فقط في تأمين قوت يومه ومن هنا جاءت لي الفكرة" يقول تامر نجم مخرج فيلم "The teacher" في حواره مع إعلام دوت كوم، إن فكرة الفيلم جاءت له بسبب نزوحه المستمر، وعن البداية فقال إن المخرج رشيد مشهراوي تواصل معه وأوضح له فكرة الفيلم ولكنه رفض المشاركة معللاً ذلك بأنهم في وقت حرب فلا يوجد متسع لعمل أفلام، ولكنه بعد ذلك عدل عن رأيه بسبب اقتناعه بأنه كـ "مخرج" يجب أن يحارب العدو بسلاحه وهو الفن.
وعن كواليس الفيلم قال إنه في البداية قام بإنتاجه فلم ينل إعجاب المخرج "رشيد" فقرر إعادته مرة أخرى فاستغرق العمل على الفيلم أسبوعين، حيث تم إنتاجه في منتصف الحرب بعد مرور أول 6 أشهر عليها، موضحًا أنه كان يصور في مناطق محظور الوصول لها لأن أي شخص عادي يكون مستهدف خاصة مع عدم وجود جهة تحميه، وعن البطل فقال إنه والده وقام بتصوير الفيلم بالكامل بهاتفه المحمول.
معاناة تامر مع النزوح
سرد لنا "تامر" أكثر عن حياته ومعاناته فيقول إنه كان يسكن في شارع النصر في شمال غزة ولكنه نزح في بداية الحرب لمنزل شقيقته وعندما أُستهدف المنزل المجاور لها فنزح مرة أخرى لشارع صلاح الدين في الشمال أيضاً، مؤكداً على رفضه في البداية ترك الشمال بشكل نهائي، موضحًا أنهم بعد ذلك نزحوا إلى خان يونس ثم رفح ثم منطقة المواصل على البحر.
أكد "تامر" على أنه لم يكن ينوي ترك غزة ووجوده في مهرجان القاهرة جاء عن طريق الصدفة، حيث إنه كان يوصل أقربائه للمعبر وسيعود مرة أخرى لعائلته إلا أنه علق في المعبر لمدة 6 أشهر ودخل مصر فقط منذ 12 يوم ويتمنى كثيراً العودة لغزة في أقرب فرصة.
رغم كل المعاناة التي حكى عنها "المسافة صفر" إلا أنه تظل الحقيقة والواقع أصعب بكثير مما يمكن للأعمال أن تنقله فلا يشعر بالنار إلا من يكتوي بها من الداخل، ولكن يظل السؤال الأهم في كل ذلك إلى متى؟!