أبناء الفنانين دائماً موقفهم صعب عند الجمهور، ف ابن الفنان متهم مسبقاً بأنه دخل الوسط الفني بالكوسة والعلاقات، وفي هذا الرأي جزء من الحقيقة وجزء من الضلال، فعلاُ هناك أبناء فنانين ثقال الظل والدم وعديمي الموهبة، كان دخولهم الوسط الفني هروباً من فشلهم في الحياة فدخلو المجال الفني وماشاء الله فشلوا أيضاً! وعندما تقيأهم الجمهور ولفظهم عادوا للصفوف الخلفية أو تركوا المجال بعدما استنفذوا كل الفرص وأخذو من رصيد أهلهم، ولكن الجزء الأخر من الحقيقة أن هناك أبناء فنانين متشبعين بالموهبة و أخجل أن أقول ربما تفوق الأبناء على الأباء في أوقات كثيرة مثل حنان مطاوع وريهام عبدالغفور وعلاء ولي الدين وغيرهم.
ولا أخفي عليك انطباعي حين رأيت صور العرض الخاص لفيلم " مين يصدق " ، واصطفاف النجوم بجوار المخرجة الشابة زينة عبدالباقي ابنة الفنان أشرف عبدالباقي سنداً لها ودعما، شعرت أنني سأرى فيلماً متواضعاً لمخرجة نزلت علينا بالبراشوت خاصة أنني لم أسمع عنها من قبل، ولكن كل تلك الأفكار تبخرت عندما رأيت الفيلم.
الفيلم حدوته بسيطة، تشاء الظروف أن تجمع نادين الفتاة الغنية المحطمة بالشاب باسم النصاب لتبدأ مغامرة جديدة في حياتها لم تكن محسوبة عواقبها، القصة سهلة السرد وبسيطة العقدة ولكن ما أضاف اليها السحر هو لمسات مخرجة متمردة، مدهشة، جريئة، استطاعت أن تقدم فيلماً واقعياً شديد التميز سواء في أماكن التصوير والديكور والموسيقى والأهم من ذلك، المغامرة بتصدير الوجوه الشابة يوسف عمر وجيدا منصور اللذان وضعت عليهم المسؤلية وأظن انهم رفعوا رأسها – ورأسنا أيضا- وقدموا أفضل ما عندهم خاصة الممثلة جيدا منصور التي كان لها حضور على الشاشة يخطف القلب لأداءها البسيط السهل جداً المعقد جداً في نفس الوقت، فلم أشعر انها تمثل وهذا هو سر جمالها وعبقريتها، أنها تمثل وهي بتبذل مجهود جبار ولكن لا ترى هذا المجهود ولا تشعر به، وبلا شك ستصبح جيدا من أهم نجمات جيلنا والمسألة مسألة وقت ليس أكثر.
كما يحسب لزينة عبدالباقي التوظيف الجيد لضيوف الشرف، فكان أداءهم متوازن، فلم يبالغوا في ظهورهم لكي يتركو البصمة بل كان مرورهم عابراً خفيفاً، و اتوقف عند الممثل علي السبع الذي مثل دور التمرجي فقد قدم مشهد يستحق عليه جائزة لوحده.
أما عن البناء الدرامي في الفيلم فطاله بعض المشكلات، مثل طول المشاهد ووجود مشاهد كثيرة مقحمة على القصة مما أبطأ الايقاع فتجاوزت مدة العرض لأكثر من ساعتين، والأهم هو شخصية الفيلم التي فقدت هويتها لأن المخرجة والكاتبة زينة عبد الباقي أرادت أن تقدم كل شئ في أول تجربتها، الضحك والدموع والأثارة والرومانسية، فهرب المزاج العام للفيلم ولم يستطع مؤلفين الفيلم الأربعة - مع زينة - الامساك بقبضتهم على القصة كلها، كما سيطرت زينة على الاخراج ووضعت فيه شخصيتها، لذلك أتوقع أن تكون تجربة زينة القادمة مذهلة اذا وفرت طاقتها كلها للأخراج، وتوظف جنونها وتمردها لأخراج فيلم تضيف له تفاصيل بسيطة ولا تقوم ببناءه من البداية لكي ترى التفاصيل كلها من خارج الحكاية، فيصبح لديها شجاعة الأستبعاد وجرأة الأضافة بشكل محايد وعين أخرى، هي عين المخرجة وليست الكاتبة.
رأيت هذا الشهر أربع أفلام لأربع مخرجات، ولكن المميز عند زينة عبدالباقي هي خفة الدم التي أجادت صنعها دون خوف أو ابتذال وهذا ما تتعطش اليه السينما المصرية من فترة، زينة عبدالباقي قادمة بقوة، وبخطوات سريعة، وشخصية فريدة ليست مكررة، اذا كانت تلك هي تجربتها الأولى فهي مخرجة ولدت كبيرة، ولو أسات الظن في البداية بأنها تواجدت فقط بدع أشرف عبدالباقي الا أنه من الشجاعة أن اقول بعد مشاهدتي للفيلم و بضمير مرتاح أن أكث ما يظلمها أنها بنت أشرف عبدالباقي.