"عصام عبد الله، صحفي ومصور بمكتب رويترز ببيروت، بيحب الكاتشب مع القرنبيط المقلي، وما بيسمع إلا موسيقى الچاز، وساخر من الحياة، ودائما في باله نكتة أو تعليق مضحك على مواضيع حياتية يومية، عصام كان أقوى مني وكان يضحك أكتر مني، مع إني اسمي فرح، ولكن هو كان صادق وعاطفي وحساس".
بهذه الكلمات تصف المخرجة فرح الهاشم صديقها الراحل، الصحفي عصام عبد الله، في مقدمة فيلمها التسجيلي "رصيف بيروت"، الذي قامت بتأليفه وإخراجه وعُرض لأول مرة للجمهور العام بالقاهرة يوم السبت الماضي، يستعرض علاقة الصداقة العميقة التي جمعت بين فرح وعصام.
ولأنهم دائما ما يقولون إن الحقيقة هي أولى ضحايا الحرب، ففي يوم 13 أكتوبر 2023، ومع احتدام الصراع بعد أيام من عملية "طوفان الأقصى"، استهدفت دبابة إسرائيلية طاقمًا من الصحفيين في جنوب لبنان، أسفر الحادث عن استشهاد عصام عبد الله، الذي كان يوثق الحقيقة، وإصابة ستة من زملائه، ليكون عصام شهيدًا جديدًا على قائمة شهداء الصحافة آنذاك.
صوت بيروت وصوت عصام
ركزت فرح في فيلمها على توثيق علاقتها بعصام من خلال الرسائل التي تبادلاها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، الفيلم اعتمد بشكل كبير على أغاني عصام المفضلة في الخلفية والأماكن اللبنانية التي كان يتردد عليها، مثل شارع الحمرا، وأحلام كلاهما وبحثهما عن الحب الضائع الذي لم يجده عصام حتى استشهاده.
كما حاولت "فرح" نقل جانب من معاناة اللاجئين الفلسطينيين بمخيم برج البراجنة بلبنان، وجمعت شهادات اللاجئين الفلسطينيين عن أحلامهم بالعودة إلى وطنهم، لتعكس عمق الارتباط بين عصام وبيروت.
"ما تبقى منك إلا صوتك، ومهم أحافظ على صوتك وصوت بيروت"، بهذه العبارة تلخص فرح رسالتها من الفيلم، كما تعبر عن صعوبة الفقد خاصة فقدها لعصام بقولها: "أحيانًا، الصداقة تعطينا نسخة أفضل من الحب".
نرشح لك: "تحت الحصار".. أشباح الأرض تطارد المحتل
الخسارة بين الفن والواقع
لم يكن "رصيف بيروت" مخططًا له بحسب ما قالت "فرح" بعد انتهاء عرض الفيلم بسينما زاوية بشارع عماد الدين بوسط البلد، ولكنها في أكتوبر 2023، كانت تعمل على فيلم رومانسي يحكي قصة حب بين شاب فلسطيني وفتاة لبنانية، وكان من المفترض تصويره في جنوب لبنان.
وأكدت على أن الأحداث قلبت الموازين، فقُصفت المواقع المحددة للتصوير، وتلقت خبر استشهاد عصام، حيث تقول فرح: "دخلت في اكتئاب بعد الخبر لمدة أربعة أشهر، وشعرت أن بيروت التي عاش فيها عصام اختفت، وأصبحت بيروت الحالية باردة جدًا".
توثيق الذاكرة المرتجلة
قررت فرح تصوير الفيلم في فبراير 2024 بدون تحضير مسبق أو حتى كتابة سيناريو، حيث اعتمدت على كاميرا هاتفها لتسجيل مشاهد مرتجلة، تعقب على ذلك قائلة: "كان هدفي أن أحفظ صوت عصام، وأؤكد أن من يموتون ليسوا مجرد أرقام"، واختارت فرح التركيز على علاقتهما الشخصية، لتسلط الضوء على صداقتهما الفريدة.
شهداء الصحافة.. أصوات لا تُنسى
يأتي "رصيف بيروت" كتذكرة مؤلمة بحجم الخسائر التي يتحملها الصحفيون في سبيل توثيق الحقيقة، عصام عبد الله ليس أول من ضحى بحياته، فقد سبقه كثيرون في فلسطين ولبنان، وما زال حتى الآن، حيث تُزهق الأرواح لتوثيق معاناة الشعوب، الفيلم ليس فقط عن عصام، بل عن كل من حمل الكاميرا وأصر على إيصال صوت المظلومين، ليبقى صوتهم خالدًا رغم موت ناقل الخبر نفسه!
وفي النهاية ومع ارتفاع أعداد الشهداء والمصابين المدنيين والصحفيين في فلسطين ولبنان، منذ بدء طوفان الأقصى، سيظل السؤال الأهم إلى متى؟! وكيف يمكن للصحفي أن يتحدث عن الحقيقة ويبحث عنها وهو أول من يُضحى به؟!