سالي فراج
في مجتمعات كثيرة، يُعتقد أن النساء في الوطن العربي وحدهن من يعانين من الذكورية وسيطرة الرجل، لكن الحقيقة أوسع وأشد قسوة، وهو ما يكشفه فيلم "روز"، الذي عُرض ضمن مسابقة الأفلام التسجيلية القصيرة بمهرجان الإسماعيلية الدولي بدورته المقامة حالياً.
الفيلم يسلط الضوء على قضية العنف الأسري، لكنه يفعل ذلك بأسلوب بصري يخدع المشاهد في البداية، حيث تبدو الصور مليئة بالدفء والهدوء، بينما الصوت يحمل المأساة الحقيقية.
تدور القصة حول امرأة شابة تزوجت في سن التاسعة عشرة، بعدما اختارها رجل رأى أنها ستكون زوجة مناسبة له، دون أن تأخذ وقتًا لتفكر أو تقرر مصيرها. كانت تحلم بإكمال دراستها، لكنها تخلت عن ذلك سريعًا، مثل كثيرات غيرها، لتبدأ حياتها كزوجة لرجل قيل عنه إنه "ابن حلال"، محترم، وضابط ناجح.
لكن الصورة الوردية انهارت سريعًا، ووجدت نفسها في زواج يسوده العنف، إذ كان زوجها مدمنًا على الكحول ويضربها بلا رحمة. لم يكن أمامها سوى الصبر، لأنها كانت فقيرة، ومن لا يملك قوت يومه، لا يملك قراره. الفيلم يوضح كيف أن الفقر قد يكون سجنًا يُجبر النساء على تحمّل أبشع أنواع المعاناة، فقط لأنهن لا يمتلكن خيارًا آخر.
ما يميز الفيلم هو الطريقة التي قدم بها المأساة، فالصور التي عُرضت كانت بصرية جميلة، توحي للمشاهد في البداية أن الأمور تسير بشكل طبيعي، لكن مع استمرار السرد الصوتي، تتكشف الحقيقة تدريجيًا، ونشعر بثقل المأساة رغم قصر مدة العرض. المخرجة أنيكا ماير استطاعت بحرفية أن تجعل المشاهد يشعر بالألم المتراكم في حياة البطلة، دون الحاجة إلى مشاهد صريحة للعنف.
كانت الصدمة الأكبر في النهاية، عندما أدركت البطلة بعد 23 عامًا من المعاناة، وبعد أن كبر أبناؤها، أنها لم تعد تحتمل أكثر، فقررت الانفصال. لم يكن لديها أمل في تغيير الواقع، ولم يكن هناك من يساندها، فكان قرارها بالانفصال هو شكلها الأخير من المقاومة.
نرشح لك: صدور الطبعة الثانية من رواية “جثة البئر” لـ وائل السيد علي
ما يجعل القصة أكثر إثارة للدهشة أن هذه الأحداث وقعت في ألمانيا، البلد الذي يُفترض أنه يحمي حقوق المرأة ويدعمها. فكيف يمكن أن يحدث كل هذا العنف في بلد متقدم؟ وإذا كانت النساء في الدول الغربية يعانين بهذا الشكل، فماذا عن النساء في الشرق؟
"روز" ليس مجرد فيلم، بل شهادة صادمة على معاناة بلا حدود، تؤكد أن العنف ضد المرأة لا يعرف ثقافة أو جنسية، بل هو جرح عالمي لم يندمل بعد. والمأساة الأكبر أن الإجابة على سؤال "إلى متى؟" لا تزال مجهولة.