عبد الرحمن جاسم
ملحوظة مهمة قبل القراءة: إن هذا المقال النقدي هو لمسلسلات شاهدها كاتب المقال، بالتالي فإن بعض المسلسلات وبعض الثنائيات لم يتم الحديث عنها لقلة الوقت وضيقه، لا أكثر ولا أقل، فليعذرنا الجميع.
تأتي الثنائيات بمثابة سيرٍ على "نهج" الدراما منذ نشأت وظهرت، فمن الثنائي لوريل وهاردي، وتوم وجيري في الدراما الأميركية، وصولاً حتى الثنائيات الأبرز والأشهر عربياً كغوار الطوشة وأبو عنتر، أو مرزوق وباركودا (بركات)، وأسعد خرشوف وجودة أبو خميس. إنها أن تجمع بين "إثنين" من الممثلين في نوعٍ من الارتباط الخاص: يأتي أحياناً صراعاً، وأحياناً التصاقاً وأخوة، وأحياناً صراعاً لا ينتهي إلا بموت أحدهما كما حدث قبل سنواتٍ في مسلسل "نسل الأغراب"(تأليف وإخراج محمد سامي، 2021) حيث أبرز الثنائي أحمد السقا وأمير كرارة مهاراتهما في "قتل بعضهما" قبل أي شيءٍ آخر. طبعاً تم اسثتناء مسلسل "العتاولة" والثنائي أحمد السقا وطارق لطفي لسببٍ بسيط أنهما يكملان ما بدأه قبل عام، لكن هذا لا يعني أنهما ليسا من أفضل الثنائيات الموجودة حالياً. إذ إن السقا يتكئ فعلياً على مهارة لطفي الأدائية الخاصة والعالية. لطفي بدوره يحتاج إلى الضوء القادم من نجومية السقا، وهذا المزيج الجميل بينهما يجعل المسلسل يستحق المشاهدة، فكل مشهد يطل أي منهما فيه هو شيء جميل، يضاف إليه بالتأكيد مهارة ونجومية عيسى الوزّان(باسم سمرة) الذي يعطي الثنائي قيمةً وأهمية وبشدة.
هنا نحنُ أمام ثنائي يمثّل العلاقة "السامة" بكل ما تحويه الكلمة من معنى. هي علاقة عائليةٌ ملتبسة بكل أمراضها. إنه "الأب" غير البيولوجي لرجل في أربعينياته، ولكنه لايزال يتعامل معه كما لو أنه طفلٌ لايتجاوز الخامسة من العمر. يلجأ "بابا ماجد"(محمود حميدة) مثلاً للعقاب "التطبيقي/الفعلي" وليس النظري حينما يأمر "عبيد" (مينا أبو الدهب) بالدخول إلى غرفة العقاب ومعاقبة نفسه حال ارتكابه لخطأ كبير. عبيد بدوره يحمل سكيناً ويذهب إلى سرير "بابا ماجد" محاولاً قتله، لكنه في اللحظة الأخيرة يخاف ويرتجف ويتوقف عن ذلك، سائلاً نفسه -أمام معذبه- "معرفش ازاي عملت كدا". جملةٌ مرعبةٌ تظهر لنا علاقة هذا الثنائي "المرعبة" والمخيفة" والسامة (Toxic) بكل ما تحويه من معنى. هنا يمكن الحديث مطولاً حول حرفة محمود حميدة العالية والمرتفعة. إنه شريرٌ مسرورٌ بالشر الذي يؤديه، وبنفس الوقت يعيش حياته بوجهين بسهولةٍ وثقةٍ مطلقة، لدرجة أنه لا يأبه بأن يخبر حقيقة أنه "قتل" أحد "أطفال الميتم" الذي يديره، لمساعده المصدوم(عبيد) بمدى الشر الذي يحتويه. بنفس الوقت "هذا المساعد" يظل محتاراً أيٌ من هذه الوجهين هو الحقيقي. حميدة الممثل القدير والماهر، والذي ارتبط -وللأسف- خلال سنواتٍ طوال، بشخصيته الحادة التي يتعامل بها مع الإعلام والصحافيين، الأمر الذي جعلها تظهر فوق أداءه الجميل وأدواره القوية. حميدة هنا يظهر مهارة ما بعدها مهارة في تقديم "شرير" لا يشبه أي شرير في مسلسل أو فيلم عربي منذ مدّة طويلة، شرير "حرّيف"، "فاهم"، والأهم من هذا أنه "يستلذ" بلعبته ويستمتع. بنفس الوقت قدّم مينا أبو الدهب إداء العمر أمام هكذا شخصية، بانكساره أمامه، بخوفه منه، والأهم بتقديمه المشهد كاملاً مرتجفاً خائفاً أمام سطوة الشر المطلق هذا.
يمكن الحديث مطوّلاً حول هذا الثنائي الشاب. إنه ينتمي إلى جيلٍ طويلٍ من الثنائيات الكوميدية في الدراما السورية. بدءاً من حسني البورظان(الراحل نهاد قلعي)/غوار الطوشة(دريد لحّام)، أو غوار الطوشة/أبو عنتر(الراحل ناجي جبر)، أو الثنائي الأكثر حداثةً جودة أبو خميس(باسم ياخور)/اسعد خرشوف (الراحل نضال سيجري). هذه المرّة نحنُ أمام ثنائي خفيف الظل، ساخر للغاية، والأهم من هذا أنهما "يوافقان" بعضهما البعض، أي أنهما "معاً" على الحلوة والمرّة، وليسا متعاركين شأن الثنائيات المختلفة. قد يأتي هنا من يقارن بينهما وبين ثنائي "أبو عنتر/غوار الطوشة"، لكن الاختلاف هنا أن أبو عنتر كان أشبه بما يقوله بهجب الأباصيري(عادل إمام) في مدرسة المشاغبين لصديقه الأقرب مرسي الزناتي(الراحل سعيد صالح): إنت المخ وأنا العضلات. جاء أبوعنتر -في مسلسلات عدة ظهر بها الثنائي- بمثابة العضلات لعقل غوار الطوشة. هنا يتساوى نورس(ملهم بشر) وشاهين(درويش عبدالهادي) تقريباً في كل شيء، ويتشاركان في كل شيء، من هنا فإن ثنائيتهما خاصة وللغاية. ممثلان شابان، واعدان، ماهران، ويمتلكان حرفة أدائهما، وأمامهما مستقبلٌ مهم، إذا ما أخذا أدواراً جيدة، واهتما بصقل حرفتهما بشكلٍ دائم.
يمتلك الثنائي دسوقي وأحمد مالك أعلى موهبةً بين جميع مجايليهما وبأشواطٍ كبيرة. قد يكون مالك هو الأكثر "بروزاً" خلال السنوات الأخيرة لأسبابٍ تجمع بين أدائه على الشاشة وخارجها، لكن طه يعوّض كل هذا بمهاراته الكبيرة والتي أثبتها بدءاً من بروزه اللافت في "موضوع عائلي"(تأليف كريم يوسف وإخراج أحمد الجندي) والذي وضعه فعلياً على "خارطة" المؤدين الماهرين، مروراً بظهوره الجميل في "الصفارة"(كتابة أحمد أمين، وإخراج علاء إسماعيل). ظهوره في الصفارة، مهّد أمامه وبسهولة استيعاب فكرة كونه "ثاني إثنين"، فهو كوّن ثنائياً جميلاً أمام الماهر أحمد أمين، من هنا بات الأمر سهلاً عليه هنا. إنه "دراع" شقيقه، وقوته، ولسانه، حتى إن كاتب المسلسل حاول مقارنة الثنائي مالك والدسوقي بأحد أشهر الثنائيات في الدراما المصرية مرزوق (عادل إمام) وبركات(سعيد صالح) من فيلم "سلام يا صاحبي"، و استعار أغنية "مين بيحب أخوه" من فيلم" اللعب مع الكبار"(كتابة وحيد حامد، وإخراج شريف عرفه) من خلال علاقة الأخوة بين علي الزهّار(محمود الجندي) و حسن بهنسي بهلول (عادل إمام) وغنائهما لتلك الأغنية التي تحكي أخوتهما. ويحسب للمخرج شادي عبدالسلام إضفاءه لمسته الخاصة، خصوصاً في مشهد "رقصهما" سوياً في الحلقة السابعة ودمجه مع ذكرياتهما إبان طفولتهما لتلك الرقصة جعل "إخوتهما" حقيقية وللغاية.
يأتي هشام ماجد من الأكثر خبرةً في التعامل مع فكرة "تبادل الضوء" و"تنسيق التعامل" مع "الآخر"، فهو سبق أن كان ثالث ثلاثة حينما بدأت رحلته الفنية مع أحمد فهمي، وشيكو. لاحقاً هو اقتصر عمله مع شيكو في عددٍ من الأعمال وصولاً حتى مسلسل "اللعبة"(تأليف فادي أبو السعود وفريق كتابة، اخراج معتز التوني) بأجزاءه. إذاً يفهم هشام ماجد وبمهارة فائقة أهمية أن يكون هناك شخصٌ يتبادل معه "الإيفيه" ويتعاون معه في تحويل أية كلمة أو فكرة أو حركة بسيطة حتى إلى "حدث" مهم. مصطفى غريب بدوره يحمل "لمسة أحمد مكّي" إذ إن المخرج والكاتب والممثل المصري مشهورٌ بأنه لم يُدخل أحداً إلى عالمه "الدرامي" إلا وأصبح "نجماً" فمن محمد سلّام، إلى هشام إسماعيل ورحمة أحمد والكثير غيرهم. غريب قدّم شخصية سبق له أن قدّمها، فهي تشبه إلى حدٍ ما شخصيته في "الكبير أوي" وإن جاءت مختلفةً بعض الشيء. شخصية أحياناً ذكية للغاية، وأحياناً غبية للغاية، تنتبه لبعض التفاصيل فيما تترك تفاصيلاً أخرى ولا تراها. لاريب أنَّ تأثير شخصية الدكتور حمدي(هشام ماجد) على مساعده "عربي"(مصطفى غريب) كبير خارج وداخل البلاتوه، فالتنسيق بينهما عالٍ وللغاية، وهذا يدل ببساطة على أنَّ هناك تحضيراً متمكناً قبل وخلال التصوير، وهذا يحسب كثيراً.