يبدو أن المخرج محمد سامي والفنانة مي عمر يصرّان على تقديم نفس النوعية من القصص الدرامية، التي تدور حول الصعود من القاع إلى القمة، والانتقام من الظلم والخيانة، ولكن بصياغات متشابهة إلى حد التكرار. بعد نجاحهما في لؤلؤ ثم نعمة الأفوكاتو، يعود الثنائي لتقديم إش إش، الذي لا يضيف أي جديد مقارنة بأعمالهما السابقة، بل يبدو نسخة مطولة من نعمة الأفوكاتو ولكن في 30 حلقة بدلًا من 16، مع تعديلات طفيفة على الشخصيات وإضافة المزيد من الخطوط الدرامية الجانبية لإطالة زمن الحلقات.
تدور القصة حول شروق أو إش إش، فتاة من بيئة شعبية تعمل راقصة لإعالة أسرتها، التي تتكوّن من والدتها (انتصار)، وخالتها (دينا)، وزوج خالتها (إدوارد)، وابن خالتها (نُصّة)، بالإضافة إلى شقيقتها التي تجسدها (شيماء سيف). ورغم نجاحها في الرقص، فإنها تسعى إلى تحسين حياتها عبر تعلّم اللغة الإنجليزية، أملًا في العمل داخل كول سنتر والابتعاد عن حياة الملاهي الليلية. وكما هو متوقع في هذه النوعية من القصص، تقع البطلة في حب رجل ثري، وهو مختار (محمد الشرنوبي). تتطوّر العلاقة سريعًا إلى زواج سري، ولكن بعد ليلة واحدة فقط، تكتشف البطلة أن عائلته، وتحديدًا والدته (هالة صدقي) وزوجها (ماجد المصري، كانت السبب في تدمير حياة والدتها وخالتها قديمًا، وسرقة أموال العائلة، وهو ما يزيد الصراع تعقيدًا.
تتعرض البطلة لصدمتها الكبرى عندما تكتشف أن زواجها لم يكن قانونيًا، حيث تم عقده على يد مأذون مزيف، فتجد نفسها ضحية خدعة جديدة تضاعف من معاناتها وتدفعها إلى التخطيط للانتقام. ومن هنا، تتوالى الأحداث المتوقعة، حيث تبدأ رحلة البطلة لاسترداد حقوقها، سواء من الرجل الذي خدعها أو من العائلة التي دمرت حياتها، في حبكة لا تحمل أي عنصر جديد، بل تعتمد على الصيغة التقليدية التي قدمها محمد سامي مرارًا في أعماله السابقة.
منذ الحلقات الأولى، يدرك المشاهد أن المسلسل لن يخرج عن إطار "الفتاة الفقيرة التي تصبح مليونيرة فجأة"، مع تغييرات واضحة في مظهر البطلة وأسلوب حياتها، إضافة إلى صراعها مع النساء الأخريات حول النفوذ والمال، ووجود رجلين يتنافسان على استعادتها بأي شكل. الأحداث تتطور بشكل متوقع للغاية، حيث لا يحتاج المشاهد إلى التخمين لمعرفة ما سيحدث لاحقًا، فكل مرحلة من مراحل القصة تسير وفق السيناريو المعتاد: الخيانة، الظلم، الانتقام، الصعود، والصراع بين الزوجة الأولى والثانية، في حبكة تبدو وكأنها إعادة إنتاج لقوالب درامية قديمة دون أي محاولة لتقديمها برؤية جديدة أو معالجة مختلفة.
إحدى الإشكاليات الكبيرة في إش إش هي تمديد القصة إلى 30 حلقة، مما أدى إلى تطويل غير مبرر في العديد من المشاهد. طول مدة الحلقات لا يعكس بالضرورة غزارة الأحداث الدرامية، بل على العكس، يعتمد المسلسل على إعادة أجزاء ليست بالقليلة من المشاهد السابقة في كل حلقة، وكأن المشاهد في حاجة دائمة إلى التذكير بما حدث. كما أن هناك مبالغة واضحة في توظيف الموسيقى التصويرية، حيث تمتد المقطوعات الموسيقية لفترات طويلة دون أن تضيف شيئًا فعليًا إلى المشهد، مما يجعل الإيقاع أبطأ ويقلل من التأثير الدرامي.
على مستوى الشخصيات، يختلف إش إش عن نعمة الأفوكاتو من حيث وجود شبكة علاقات عائلية أكثر تعقيدًا. في نعمة الأفوكاتو، كانت العلاقة بين البطلة ووالدها محدودة، بينما في إش إش نجد أن هناك أبًا وأمًا، لكن دور الأب هامشي للغاية، إذ يظهر ويختفي فجأة بدون مبررات منطقية، مما يجعله يبدو وكأنه شخصية مضافة دون تأثير حقيقي على القصة. في المقابل، تلعب الأم (انتصار) والخالة (دينا) أدوارًا أكثر انخراطًا في حياة البطلة، حيث تشاركان في صنع قراراتها وتدخلان بشكل مباشر في الصراعات التي تواجهها. هذه التوسعة للشبكة العائلية قد تبدو عنصرًا إيجابيًا على المستوى الدرامي، لكنها في الوقت نفسه تجعل الأحداث أكثر تشعبًا دون داعٍ، مما يؤدي إلى تشتيت الانتباه وإبطاء وتيرة السرد.
هناك أيضًا استسهال واضح في كتابة الشخصيات الثانوية، حيث لكل فرد من العائلة خط درامي مستقل، بداية من الأم والخالة، مرورًا بزوج الخالة وابنه، وصولًا إلى شقيقة البطلة. هذا التوسع في الخطوط الدرامية الجانبية يبدو وكأنه محاولة لملء وقت الحلقات أكثر من كونه عنصرًا يخدم القصة الرئيسية، حيث نجد أن بعض المشاهد تتناول أحداثًا لا تضيف شيئًا جوهريًا للصراع الأساسي، بل تستهلك وقتًا كبيرًا دون مبرر درامي قوي.
على صعيد الأداء التمثيلي، لم تقدّم مي عمر أي إضافة جديدة لشخصياتها السابقة، حيث لا تزال تعتمد على نفس الانفعالات والتعبيرات، مع تغييرات طفيفة في الشكل والمظهر الخارجي. أداء محمد الشرنوبي كذلك يبدو تقليديًا إلى حد كبير، إذ يقدم دور الشاب الثري العاشق بنفس الطريقة التي قدمها في أعمال سابقة. أما هالة صدقي وماجد المصري، فيؤديان أدوار الشر بلمسات مبالغ فيها أحيانًا، في حين أن الأداء الأكثر جذبًا في المسلسل يأتي من انتصار ودينا، اللتين تقدمان شخصياتهما بأسلوب أكثر تلقائية وواقعية.
المسلسل أيضًا يعيد تقديم ثيمة الخيانة الزوجية والصراع بين الزوجة الأولى والثانية بنفس الطريقة الفجّة التي شاهدناها في "نعمة الافوكاتو"، دون أي محاولة لتقديم هذه الفكرة بشكل مختلف، لنكون في رمضان 2025 أمام نعمة ولكن باسم "إش إش".
نرشح لك: سوسن مراد تهاجم محمد سامي: مسلسلي "إش إش" و"سيد الناس" إهانة للمرأة والرجل