قيل إن من النصائح الدرامية التي يُوصَى بها الكُتّاب عند الوقوع في مأزق الرتابة بحثاً عن حدث أو فكرة مشوّقة تدعم الحبكة - صعوداً بمزيد من التعقيد أو حتى هبوطاً باتجاه الحل – الزجّ بامرأة في قلب الأحداث دون مقدّمات، وستنهض المرأة بعبء بثّ الحيوية في روح العمل مهما يكن دورها.
تشير تلك النصيحة الساخرة، التي لا تخلو من الصدق والفائدة، إلى أثر المرأة في الدراما؛ وكنت قد أشرت في العديد من المقامات المستقلة والمتباينة إلى أن دور الرجل في الحياة لا يخرج عن تمثيل صورة الإنسان مجملاً في حين أن المرأة إلى جانب تمثيلها صورة الإنسان بصفة عامة تمتلك خصوصيتها التي تنفرد بها عن الرجل؛ وإذا كانت هذه الخصوصية ماثلة في الحياة فإن من الطبيعي أن تنسحب إلى الدراما؛ وأكاد أقول بأن المرأة ذات تكوين درامي بالفطري، أي أنها قادرة بصورة تلقائية على صنع دراما مشوّقة في الحياة اليومية التي يكتفي فيها الرجل بأداء دور العاقل الحكيم الذي لا يدع عاطفته تتحكّم في أفعاله وأحكامه، ناسياً أو متناسياً أن عاطفة حواء المتأججه تعمل بموازاتها عقلية ليست أقلّ حدّة وتأجّجاً.
والحال كتلك، هل يمكن اعتبار المرأة مسؤولة عن صورتها المنمّطة في الحياة الواقعية؟ ترتبط الإجابة على هذا السؤال بسؤال آخر هو الأصل حول مسؤولية المرأة ابتداءً عن موقعها/دورها في الحياة؛ ومن أجل التفاف بدا أنه لا بدّ منه في سياق ما يلزم للإجابة على السؤال الأخير طرحنا في "جينات أنثوية" السؤال التالي: هل تدعم حواء خلسة الاستمرار في وضعها كأقلية؟ والمراد بالأقلية ليس المفهوم العددي/التعدادي بطبيعة الحال وإنما الوضع الذي يمنح امتيازاً بالاهتمام والدعم بداعي ضعف/قلّة حيلة من قبيل ما.
الأسئلة أعلاه تنسحب جميعها فتواجهنا بذات التحدّي والاستفزاز والمراوغة عند إحالة النظر من إطار الحياة العام إلى خصوصية الدراما بحيث تكاد تنطبق بحذافيرها على دور وصورة المرأة في الأعمال الدرامية.
لم يكن هذا العام فريداً في الحفاوة بالمرأة من حيث الظهور الدرامي الطاغي بقطع النظر عن طبيعة ذلك الظهور، فقد شهد رمضان على مدار السنوات الماضيات حفاوات أنثوية مماثلة مع تباينات متفاوتة من عام إلى عام؛ أمّا طبيعة ذلك الظهور فقد ظلّت موضع جدال هو في الواقع ليس سوى جدال منسحب من الحياة إلى الدراما.
قوية، مؤثرة، وفيّة، ناجحة، عطوفة و"فرفوشة" أم متسلّطة، متمرّدة، خائنة، منزوية، متقلّبة المزاج و"نكدية"؟
هي في الواقع الاثنان معاً، وليس في ذلك غرابة، فالرجل أيضاً الاثنان معاً. لكن ما الذي يجعل المرأة تحظى بذلك الانتباه على طرفَي النقيض؟ إنه وضع الأقلية الذي أشرنا إليه آنفاً، ذلك الوضع الذي يمنحها امتياز الاهتمام والدعم على طرفَي النقيض معاً، وهو وضع تديره حواء ببراعة ولكن ليس بما يخلو من العواقب غير المأمونة في كل الأحوال.
من الواضح أن كتّاب الدراما التلفزيونية يعون دور المرأة وقيمتها الفنيّة جيّداً، لذلك هم لا ينتظرون حتى يقعوا في مأزق الرتابة كي يزجّوا بامرأة تبثّ الحياة في عمل آيل للسقوط؛ إنها دوماً في قلب الأحداث، وهي هناك بكل تفاصيلها الدقيقة في الحياة وزيادة، و"الزيادة" لأن الفن يُعنى أساساً بالمبالغة، فليس غريباً إذن أن تكون المرأة في الدراما هي المرأة في الحياة ولكن بنظّارة مكبّرة تتيح انتباهاً أفضل لكل تفاصيلها؛ ولأن الفن هو بالضرورة أيضاً تكثيف حادّ للزمن فإن الصور الواضحة عالية الدقة تُقدّم كجرعات مضاعفة من الحقيقة المبالغ فيها لدرجات من الخيال أحياناً.
ربما طغت مؤخراً على دراما رمضان جوانب من المرأة لا تكشف فقط الضعف الأنثوي (الذي أشرنا إلى القوة الكامنة فيه عبر "جينات أنثوية") وإنما كذلك الكيد النسائي العظيم الذي يتجاوز كيد الشيطان الضعيف، فهل كان ذلك النمط من الظهور مسيئاً للمرأة؟
التعجّل إلى إجابة مثالية بالموافقة شديد الإغراء بالنسبة للغالبية على الأرجح، ولكن هل تساءلنا عمّا إذا كانت حواء نفسها منزعجة من ذلك؟
بصرف النظر عن الإحصاءات والدراسات الميدانية التي تعكس عادة الحقيقة المشتهاة لا الدوافع والمشاعر الأصيلة، لا تبدو المرأة نفسها منزعجة بقدر ذي بال من تلك الصورة، فهي من يقوم بأداء تلك الأدوار وهي من يشاهدها وينفعل معها بالمتعة؛ وسنصرف البصر كذلك عن المنزعجات بصدق لدوافع مبدئية من الصورة غير المثالية للمرأة في الدراما، ليس لأن أولئك المنزعجات قلّة فحسب ولكن لأنهن ضمن فئة لا تضم نساء ثائرات فقط بل أيضاً رجالاً على نفس القدر من …