السابعة صباحا..
يطالع كعب وصل النور المتروك تحت عتبة بابه من المحصل منذ أيام كثيرة … يلقي نظرة لا مبالاة عليه و يضعه بجوار أخيه الأكبر بشهر..هو يعتبر نفسه مؤجرا لشقته من مالك البيت و من وزارة الكهرباء.. يضحك بائسا نصف ضحكة و يهندم نفسه يائسا نصف هندمة و يغلق بابه خلفه و ينزل ليبدأ يوم جديد…
الثامنة و النصف صباحا..
يصل شركته في الميعاد تماما يبدأ في مطالعة الفواتير التي عليه مراجعتها و تحضيرها للختم و الإمضاء من المدير المالي … يسأل زملاؤه عن المرتب المتأخر منذ شهرين.. يجيبه أكبرهم سنا آملا ” مستنيين شيك يطلع كبير للشركة و متوقعين إن شاء الله الإسبوع ده الأزمة طايلة الكل ما أنت عارف و الدولار بهدلنا ” يلقي نظرة على الكريديت كارد الخاص به الذي كان يظن سابقا أن الأغنياء فقط هم من يملكونه و لكن ثبت أنه أساسا مصنوع للفقراء..
الثانية عشر ظهرا..
رسالة غاضبة من خطيبته في البلد معاتبة له أنه لم يكلمها قبل أن ينام أمس.. لا يرد متوقعا أن يكون هذه الرسالة بداية لأسئلة لا يملك إجابة لها كلها تبدأ بمتى ؟ أين ؟ و جمل خبرية تترك في روحه أسوأ شعور … كلها تبدأ بماما و تنتهي بكلام الناس الذين يتغذون على وشوشهم… الطعام المفضل للمصريين.
الرابعة عصرا…
مشوار الرجوع العظيم قد بدأ ..ومعاناة المترو الذي يعتبر مؤشر سئ لمبيعات شركات مزيل العرق في مصر..
السادسة مساءا…
يبدأ في التعامل اليومي مع علبة كشري من شطشطة في مقهاه البسيط المفضل .. رسائل متتالية لا يفتحها من خطيبته و محاولات إتصال ينهيها بغلق هاتفه…
يطلب كوب القهوة و حجر المعسل الذي إستعاض به عن السجائر لأنه أرخص.. يبدأ بالإستمتاع بهما مداعبا لا إراديا الدبله التي في يده اليمنى… و هو يفكر ف اللا شئ.. أو ربما يفكر في كل شئ و هو لا يملك شئ..
السابعة مساءا..
يخرج اللاب توب التي أعطته له شركته كضمان لإمكانية إستعباده في أي وقت من اليوم و يبدأ في مشوار تقديم سيرته الذاتية في كل الدول العربية المتاحة مستغلا الإنترنت المجاني في القهوة كمحاولة يائسة أخيرة لإستبدال عرض السعودية الذي نجح في الحصول عليه من خاله هناك .. قد قرر أمس أن يتخلى عن رفضه العمل هناك حبا في الحرية…أرسل إيميل بالموافقة على العرض المتواضع … لا إراديا بدأ في التقليب في ألبومات صوره على الفيسبوك و توقف كثيرا أمام صورته و هو ممسكا بالعلم و على وجهه أمل في مصر أخرى..
العاشرة ليلا..
هناك بعض الناس يتشاجرون مع الأستاذ وائل الإبراشي بطرف عينه لمح مجموعة من البدل الثمينة و الساعات الأثمن الموضوعتان فوق بعض الأشخاص في الإستوديو الأزرق الشهير … و سمعهم كلهم يتكلمون عن رغبتهم في خدمة المواطن البسيط و يتبارون في إظهار هذا … فكّر كم شاب ياترى ستحل أزمته بثمن سيارة واحدة من سيارتهم أو ساعاتهم…
لم يعلق على بعض الأصوات الإعتراضية و إشارات الأصبع الصادرة من بعض مرتادي القهوة… إبتسم فقط.
الحادية عشر ليلا..
تحت الدش في شقته بدأ في البكاء وحيدا عاجزا … خرج عاريا مبللا .. فتح هاتفه و كلم خطيبته مكالمه صغيره بلّغها بعقد العمل في السعودية و حاول إمتصاص غضبها قدر إمكانه .. كلّم والده ووالدته و طلب منهما الدعاء له , ثم وضع سماعات الأذن و بدأ في سماع أغنيته المفضله و هو يشاهد برنامج الأستاذ أحمد موسى متعمدا و لا يسمع من كلامه شيئا … لكنه أحس بالإيقاع الخارج من فمه , رغم أن التليفزيون كان وضعه صامت أحس بإيقاع غير متناسب أبدا مع الأغنية التي كان يسمعها..
“سفرّني ع أي بلد و إتركني .. و إنساني..
بالبحر إرميني و ما تسأل.. ما عندي طريق تاني..
إتركني حاول مهما كان ..
أنا في الآخر .. إنسان”