نقلًا عن مجلة 7 أيام
أكتوبر 2010 ، عضو مجلس إدارة ومشرف على جهاز الكرة بأحد أكبر الأندية المصرية، يُطل عبر برنامج كروي يقدمه لاعب سابق ، الحديث كان عن أزمة غياب أحد اللاعبين بشكل متكرر عن المباريات، كان اللاعب الشاب وقتها متزوج حديثا، لم يذكر الضيف ذلك على الهواء، لكن في أحد الفواصل وقبل أن يعود البث للاستديو بثوان معدودة أراد المذيع أن يعرف من الضيف رأيه الحقيقي في الأزمة، وكانت قناعة الضيف أن الزوجة هي السبب، وأنه كلما طلبت اللاعب يهرع فورا للمنزل واستخدم إشارة تعبر مباشرة عن العلاقة الحميمية، دون أن يعرف أن الهواء قد عاد وأن الملايين تشاهده وتستنكر ما فعل .
كيف كان رد فعل المذيع عندما انتبه للكارثة؟ قام على الفور بتغيير الموضوع حتى أن الضيف لم يعرف أن كلامه وصل للجمهور إلا بعد انتهاء الحلقة، ماذا حدث بعد نزول التترات؟ قامت الدنيا ولم تقعد على الضيف، أولا “باس راس” اللاعب أمام زملائه في التدريب التالي مباشرة، صدر قرار من الجهة المعنية بالإعلام وقتها بمنعه من الظهور في البرامج لمدة سنة، وحتى الآن لا أذكر أنني رأيته على شاشة منذ ذلك الحين، وحتى لو ظهر فبالتأكيد حدث هذا بشكل نادر وغير متكرر، صدر كذلك قرار من الجهة المعنية بالرياضة باقالته من مجلس إدارة النادي واستبداله بعضو آخر، أي أن الرجل دفع ثمن عبارة لا تليق قالها وهو يعلم أن لا أحد يسمعه سوى المذيع، الغلطة تقنية في الأساس لكنه تحملها بالكامل.
لماذا لم أكتب الأسماء في الواقعة السابقة ولماذا أذكركم بها الآن، الأسماء غابت رغم أن الكثيرين لازلوا يتذكرونها احتراما للرجل الذي تحمل كل العقوبات السابق ذكرها ولم يتهرب ولم يقل أن ما جرى “صوت في الخلفية” ، لا يحق لنا الآن في ظل الأوقات العصبية التي يعيشها الإعلام المصري أن نستدعى من الأرشيف أسماء أبطال أول وأخر واقعة خروج عن النص نال بطلها كل الجزاءات الممكنة، أما لماذا استعيدها، بالتأكيد لأقارن مع ما يحدث في الشاشات المصرية كل فترة ووصل ذروته قبل أيام بسب المنتج الشهير للإعلامي الأشهر بلفظ نابي على الهواء مباشرة ردا على وصف يحمل قذفا خرج من المذيع للمنتج .
للدقة تعبير وصل إلى ذروته هنا غير مناسب إلى حد ما، فنحن مع كل سباب يخرج لأم ضيف أو والد مذيع أو المذيع نفسه نندهش ونقول أننا وصلنا للذروة قبل أن تصدمنا فضيحة جديدة تجعلنا نلف حول أنفسنا غير مصدقين أننا نغوص أكثر في مستنقع الإنهيار الأخلاقي والمهنى الذي أصاب مجتمعنا المصري والذي تحول إلى “حطب سريع الإشتعال” يمكن لمجموعة من المذيعين الممسكين بأعواد الثقاب أن يحرقوا منه المزيد كل يوم، لتتصاعد إلى السماء أدخنة سوداء تحمل بقايا ما تبق من قيمنا وأخلاقنا وثراثنا الذي حفظنا عنه المثل الشهير “الذوق مخرجش من مصر” ، لكنه الآن خرج، بسبب ستديوهات مدينة الانتاج الإعلامي خرج ولن يعود إلا بعدما يجد له مناطق أمنة يمشي فيها داخل حواري وشوارع هذه البلد دون أن يتأذى بألفاظ وسلوكيات تجد من يعتبرها واقعا يجب التسليم له حتى لا يدين من استثمروا في ابقاء الوضع على ما هو عليه .
واقعة أكتوبر 2010 كما هو واضح كانت قبل ثورة يناير بثلاث شهور فقط، القائمون على الأمور وقتها رغم اتهامنا لهم بحماية الفساد لكنهم حموا ولو ظاهريا قيم المجتمع في ذلك الحين، وفيما قامت الثورة للمطالبة بحبس الفساد واطلاق الحريات، لازال الفساد طليقا فيما الحريات كلها محبوسة ماعدا حرية إطلاق الشتائم على الهواء مباشرة، لنصل لمرحلة نتذكر فيها “زمن الإساءة الجميل” حيث كان من يسئ ولو عن دون قصد يتحمل وزر ما فعل، أما الآن فإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.