قضى فترة من شبابه ممزقاً بين حبه للوقوف على خشبة المسرح وبين المشاركة في الحياة السياسية، حتى اكتشف أن عليه الاختيار ما بين حياته وواجبه، وغلبت كفة الحياة، ولكنه ظل في نفس الوقت مُصغيا لصوت الواجب حين يسمع نداءه يلبي على الفور، هو الفنان الكبير سيد رجب، فنان من طراز خاص، يعشق الشخصية التي يؤديها، ويستمتع بالبحث في أبعادها النفسية، حتى يستطيع أن يتلبسها فينسى أمام الكاميرا إنه سيد رجب، ويتحول لـ “حمادة غزلان” في “موجة حارة”، “الجنرال – عم جودة” في “فيرتيجو”، “مختار العو” في “عبده موتة”، وأخيرا وليس اخرًا “المعلم سالم” في “بين السرايات”، وفتوة “حارة اليهود”، وإلى نص الحوار الذي أجراه سيد رجب مع موقع “مصراوي”
يؤكد النقاد دائما أنك من الممثلين القلائل الذين يدخلون إلى روح الشخصية.. فكيف تفعل ذلك؟
بدايتي المسرحية ساعدتني كثيراً، فأنا في الأصل ممثل مسرحي، والمسرح يمنح الممثل فرصة للتدريب والبحث في الشخصية، ليتعرف عليها وعلى كل أبعادها ودواخلها النفسية، ماذا تحب وماذا تكره، فبات من السهل عليّ من خلال خبرتي عندما يأتيني ورق ونبدأ التصوير سريعاً أن أرسم خطوط الشخصية التي سأقدمها، وأدخل إلى روحها.
وهل رسم خطوط الشخصية مجهود شخصي لك أم بالاتفاق مع المخرج والمؤلف؟
طبعا هناك جلسات تجمعني بالمخرج والمؤلف، فالعمل الدرامي عمل جماعي، ولا استطيع أخذ سيناريو والعمل عليه بطريقتي دون الرجوع للمخرج في الشكل الذي ستخرج به الشخصية، فلابد أن يحدث توافق واتفاق بعد مناقشات.
تقمصك القوي للشخصيات يترك أثراً عليك بعد الانتهاء منها؟
اللطيف في الموضوع إنني ممثل وسعادتي أن أعيش حيوات مختلفة من خلال كل شخصية أقدمها، أعيش حياتها، تنوعها، مشاعرها، ودوافعها، وعندما انتهي منها أعيش شخصية ثانية وهذا جميل.
قدمت الكثير من أدوار الشر إلا أنها كانت مصحوبة دائما بلمحة من خفة الظل.. فهل تتعمد ذلك؟
عندما تُعرض عليّ شخصية شريرة، أقرأ السيناريو وأحاول العثور على المناطق التي أبحث من خلالها عن الإنسان، ففي تصوري لا يوجد شخصية شريرة، فداخل كل الناس الخير والشر، وهذا الشرير قد يكون مضحك، أو ساخر، قد يبكي، وهو لا يعلم أنه شرير، ومن الممكن أن يكون شخص طيب جدا، ولكن بداخله طاقة شر كبيرة، يمارسه دون أن يدري، لذلك إذا قدمت الشخصية كما هي مكتوبة على الورق، سيصبح الأمر نمطي وأنا أكره النمطية، وستكون شخصية مسطحة، فالعالم غير واضح ومليء بالخبايا، لذلك نجد الشر جزء من الخير، والشر جزء من الضعف، وهو ما قد يظهر في تعامل الشرير مع أولاده، مع المرأة التي يحبها، ففي مسلسل “عد تنازلي” مثلا حاولت تقديم الإرهابي من وجهة نظر هذا الشخص، والذي يحاول تفجير كل من هو مختلف عنه، مع مراعاة أن هذا الشخص لا يعلم أنه إرهابي بل على العكس هو مقتنع جداً ومؤمن بقضيته ويحارب من أجلها.
شاركت في الكثير من الأعمال بأدوار مختلفة وكان أكثرها اختلافاً “الجنرال” في فيرتيجو.. فما أقرب الأدوار إليك؟
أحب أي دور أقدمه، ولكن هناك أدوار مميزة، خاصة تلك التي يكون لها رجع صدى كبير، مثل دور “حمادة غزلان” في مسلسل “موجة حارة”، كنت أتمنى أن يحظى دور “الجنرال” في مسلسل “فيرتيجو” بنفس المساحة، حتى يظهر الجانب الإنساني في الشخصية بصورة أكبر، ولكن في النهاية لا اتعامل مع الدور على أنه شغل، ولكنه متعة.
يرى البعض أنك اعدت للأذهان نجوم زمان مثل محمود المليجي وعادل أدهم واستيفان روستي.. فهل يسعدك هذا الربط؟
طبعا يشرفني ذلك، لكنه لا يسعدني لأنني أرى أن عادل أدهم ممثل عظيم لكنه سيظل عادل أدهم، ونفس الأمر بالنسبة لاستيفان روستي فهؤلاء تعلمت منهم، لكن لكل ممثل طابعه الخاص، وفي النهاية الممثل هو نفسه، ولو الجمهور وضعني في توازي لا في مقارنة مع هؤلاء فهذا أمر يشرفني.
كان من المفترض عرض “الليلة الكبيرة” في موسم عيد الأضحى.. فما سبب التأجيل؟
ليس لدي فكرة، فعلاقتي بالفيلم تبدأ بقراءة السيناريو والاتفاق مع المخرج، ثم نبدأ في تصوير الفيلم، وبمجرد انتهاء دوري تنتهي علاقتي بباقي أمور الفيلم، وللأمانة لا أعرف السبب في تأجيل “الليلة الكبيرة”.
حدثنا عن طبيعة الدور الذي تؤديه في “الليلة الكبيرة”؟
لا يمكنني الحديث عن طبيعة الدور، لأن الشخصيات في الفيلم كلها متشابكة جداً، وأحداثه تدور في يوم واحد، ومن خلال هذا اليوم يتعرف المشاهد على الشخصية، فمن الصعب فصلها عن باقي شخصيات العمل.
تعاونت أكثر من مرة مع المخرج سامح عبدالعزيز.. فكيف ترى العمل معه؟
مشاركتي الأولى في الدراما التليفزيونية كانت مع المخرج سامح عبدالعزيز من خلال مسلسل “الحارة”، وبعده تقابلنا في “صرخة نملة”، ثم “تتح”، وأخيراً “الليلة الكبيرة” و”بين السرايات”، واعتقد أن بيننا كيمياء، لأنني أحب الضحك وسامح كواليس أعماله رائعة ودمه خفيف، بالإضافة إلى أنه مخرج متفتح، وكل هذه الأمور تجعلني أشعر بالراحة النفسية، خلاصة الكلام أن العمل معه مريح وممتع.
سامح عبدالعزيز وأحمد عبدالله اشتهرا بتقديم الواقعية في أعمالهما.. فكيف ترى واقعيتهما؟
ارتاح جداً عند المشاركة في مثل هذه الأعمال، وعندما يكون رأي الناس في آدائي إيجابي فهذا دليل على شعورهم بأن ما أقدمه لهم حقيقي، ووصول الشخصية لاحساسهم، وإذا كان أحمد عبدالله يكتب بطريقة حقيقية، وسامح عبدالعزيز ينقل الواقع بصورته الحقيقية، وأؤدي أنا الدور بطريقة حقيقية، فهذا يعني اتفاق ثلاثتنا على رأي واحد.
شاركت في أكثر من عمل سينمائي يحمل توقيع “آل السبكي”.. فهل ترى الانتقادات لأفلامهم مبررة؟
لو كان لدينا إنتاج سينمائي غزير لن يفكر أحد في انتقاد سينما السبكي، فحتى السينما العالمية تضم أفلام جيدة وأفلام تجارية جدا ولها جمهورها، ولا أحد ينتقدها، لكن مصر ظلت لفترة طويلة جداً ليس لديها إنتاج سينمائي غير أفلام السبكي، واعتقد أنه شيء يجب أن نشكر السبكي عليه، فقد استطاع أن يحافظ على بقاء الصناعة في فترة كان كل المنتجين متوقفين عن الإنتاج، ولم يكن هناك أي تطور حقيقي، وربما يعود سبب الانتقاد أن خلال فترة توقف المنتجين وانفراد السبكي بالإنتاج، غابت مصر عن المشاركة في المهرجانات والفعاليات السينمائية، فبدأوا في انتقاده، لأنها أفلام تجارية، في النهاية لو كان هناك تنوع أو غزارة في الإنتاج السينمائي، لن نرى كل هذا الهجوم، وربما يتوقف.
وما رأيك في الانتقادت التي طالتك لاشتراكك في أفلام السبكي؟
أنا ممثل وعندما يثيرني الورق المعروض عليّ والشخصية التي أقدمها أوافق على العمل، فمثلا حين قرأت “عبده موتة” وجدت أن شخصية “مختار العو” دور جديد لم يسبق لي تقديمه وسيضيف لي، فوافقت عليه خاصة وأن مساحة الدور متوازنة مع مساحة دور البطل تقريباً، ووجود تمثيل جيد في هذه الأفلام يؤدي للارتقاء بالعمل، وعملياً السينما قليلة جداً في مصر، فإذا ابتعد كل الممثلين والمخرجين ممن يعول عليهم تطوير السينما وامتنعوا عن العمل ستختفي السينما نهائياً، لذلك لابد أن نشارك حتى نؤكد وجودنا.
قدمت فيلم الشوق عن قصة قصيرة من تأليفك.. فهل تفضل المشاركة في أعمال سينمائية مأخوذة من نصوص أدبية؟
الأمر يتوقف على طريقة كتابة السيناريو، والعمل الأدبي، فهناك من يكتب سيناريو جيد جداً وكأنه يكتب رواية، وهناك سيناريوهات بديعة كثيرة في العالم وهي عمل أدبي مهم، فالسيناريو لابد أن يكون على مستوى الرواية والقصة القصيرة، ولا يوجد مانع من تقديم أعمال مأخوذة من نصوص أدبية لكن لابد أن يتم نقلها بأسلوب أمين ونتحرى الدقة ونرجع للكاتب الأساسي، الفكرة تكمن في من سيقوم بإعداد النص الأدبي وينقله للسينما، وكان حظي جيد لأنني كنت صاحب القصة القصيرة وكنت أمين عند إعداد السيناريو بناءاً على القصة الخاصة بي.
وكيف تقيم حال السينما الآن؟
هناك أفلام مستواها جيد جداً، ظهرت خلال الفترة الأخيرة وبعيدة عن إنتاج أحمد ومحمد السبكي، مثل “الفيل الأزرق”، و”الجزيرة 2″، وحققت إيرادات كبيرة، ونتمنى تبقى خطوات لأفلام مختلفة وإنتاج مختلف، حتى يصبح هناك تنوع، وإذا حدث ذلك سنجد هناك جمهور للسبكي وجمهور للمخرج داوود عبدالسيد والمخرج سامح عبدالعزيز ولآخرين.
في رأيك ما سبب ابتعاد المنتجين عن السينما؟
لست منتج وليس لدي فكرة عن الخريطة الإنتاجية، لكن اعتقد أن أي منتج سيشعر بالخوف على أمواله، فعندما يتكلف الفيلم 10 مليون جنيه ولا يحقق سوى 2 مليون فقط، من الطبيعي أن ينتاب المنتج شعور بالخوف، والحل في رأيي أن تتدخل الدولة وتنظر للسينما على أنها صناعة تجلب دخلاً لمصر، وتساعد المنتجين والمخرجين، فلا مفر من أن يكون للدولة دور في الصناعة مبني على رؤية واستراتيجية واضحة، وتتعامل معها كصناعة حقيقية كما كنا نتعامل مع صناعات أخرى كالنسيج أو الحديد والصلب، فهذا الأمر سيعطي دعماً كامل للمنتج ليقدم أفلاماً تمثل مصر في مهرجانات عالمية.
تسعى الدولة للقضاء على الإرهاب.. في رأيك كيف يكون للفن دور في هذه القضية؟
الموضوع كبير ومتشعب يحتاج لرؤية واستراتيجية كاملة على كافة المستويات، لا فيما يتعلق بالفن فقط، فحتى تقف البلد على قدمها من جديد بعيد عن أي فكر متطرف، سيتوقف الأمر على التعليم، الثقافة، الوعي، التربية، وسلطة تمنح الناس الحرية و”اللقمة”، فإذا حدث كل ذلك معالجة الإرهاب لن تتم بإلقاء القبض على الإرهابيين وضربهم، لأننا لن نجدهم فالتطرف داخلنا في الأفكار والبناء الخاص بالإنسان، وحتى يحدث كل ذلك نحتاج لجيل كامل -30 سنة- من التربية المختلفة، التعليم المختلف والفن المختلف.
أغلب من يتعرض للاعتقال يفكر في الهجرة أو الانتقام.. فكيف تعاملت مع الأمر بعد اعتقالك عام 1989؟
مبدئيا عمري ما فكرت في الهجرة، فلا استطيع العيش خارج مصر لفترة طويلة، فمثلا سأسافر لمهرجان في باريس بداية شهر نوفمبر سيستمر لمدة 22 يوم، فقررت السفر أسبوع أعود بعده للقاهرة ثم استأنف حضوري للمهرجان، ففكرة الخروج غير مطروحة، أما الانتقام، فهو في حد ذاته لا يولد غير الانتقام، سواء من جانبي أو من الطرف الآخر، فنعيش في حروب وتطرف، والموضوع بالنسبة لي كان مختلف بعض الشيء، فقد كنت أشارك في الحياة السياسية، إلى جانب عملي في المسرح، وحين تم إلقاء القبض عليّ مرتين، توقفت عروض التمثيل، فاحتاج الأمر لوقفة مع النفس، وسألت نفسي “ما الذي أريده؟”، فالمشاركة في السياسة واجب، ولكن المسرح أو التمثيل حياتي، وقررت الذهاب لحياتي، وفي ذهني أن عندما يطلبني أو يناديني الواجب، سألبي النداء والدليل مشاركتي في ثورة 25 يناير، فقد كنت طوال الوقت في الميدان.
المسرح هو المدرسة التي تعلمت منها الكثير وتقول إنه حياتك.. فهل شعرت بالغضب لأنك قدمت له الكثير ولكنه لم يمنحك الشهرة ومنحها لغيرك؟
لم أفكر بتلك الطريقة أبدا، لأننا إذا فكرنا بهذا الأسلوب، “الدنيا هاتبوظ”، ولكن المرور بهذا الموقف، سيجعل الشخص يعمل أكثر، وسيدفعه لبذل مجهود أكبر، لأنه كان من السهل عليّ الانتقال للمسرح الخاص، والمشاركة في مسرحيات كوميدية، وأن نتحول لبهلوانات، ونقدم أعمال مضحكة لمواطنين يحجزون المقاعد كلها، ولكني أحاول فرض وجهة نظري، والمناضلة من أجلها، سواء عشت لتحقيقها، أو لم اعش، فأبذل مجهود وأحاول زرع هذه الرؤية داخل الجيل الجديد، مثلا عندما كنت مدرب لممثلين وحكائين في ورشة مسرحية، اهتم بإظهار شباب جديد يستكمل المشوار.
وبعد شهرتك ونجومتيك الكبيرين.. هل من الممكن أن تشارك في فيلم بدور صغير أو كضيف شرف؟
المهم أن يكون الدور مكتوب بشكل جيد، فأي شخصية أجسدها هي شخصية إنسانية مركبة وصعبة، فليس هناك دور أقل أو أعلى من قدرات الممثل، فالممثل يقدم أي دور.