الخروج من الجنة، والبؤس، والمرار الطافح ليهم معاني أبعد بـ كتير من القضايا والكونية، والأمور المتعلقة بـ الذات.
في الوقت اللي كانت السينما ماشية بـ كل قوتها في اتجاه “ليست السعادة في المال” كان الريحاني رايح في سكة إن الفلوس هي العنصر الأول لـ راحة البني آدم، والوضع الاجتماعي هو ذاتك الحقيقية.
علشان كده، الفيلم اللي أنتجه لـ نفسه، كانت دي فكرته المركزية، يحصل إيه لو الإنسان فقد مؤهلاته الاجتماعية: الشغل، الأسرة، الفلوس؟
يحصل زي ما إبراهيم أفندي وصف نفسه لـ مدبولي خال قمر: ألمانيا انهارت، إيطاليا اتمسحت، هـ آجي أنا أحسن من اليابان؟ انهيار شخص عادي ما يقلش في حجمه وتأثيره عن انهيار الإمبراطوريات الدول العظمى.
على جنب: خال قمر ده يبقى عبد العزيز خليل، أول نقيب لـ الممثلين، ومؤسس النقابة نفسها، راجل مسرحجي قديم، عقبال ما ظهرت السينما كان هو كبر، والمسرح مكنش بـ يتصور، فـ ما شفناهوش كتير غير في أدوار زي كده، بس هو أداؤه ليها يدلك على إنه كان غول تمثيل.
وكان عبد العزيز من أوائل الناس اللي اتعرضوا لـ تهمة “الإساءة إلى سمعة مصر” لما اشترك أواخر العشرينات في تمثيل فيلم أمريكي أحداثه بـ تدور في مصر، ويبدو إن الفيلم مكنش على هوانا، فـ اتعرض لـ هجمة وقتها في الصحافة، ودي برضه أثرت عليه شوية.
يرجع مرجوعنا لـ موضوعنا: الريحاني وبديع خيري اتفننوا في رسم مرمطة إبراهيم أفندي، ومش هـ أعيد عليك المشاهد، لازم تشوفها لو مكنتش شفت الفيلم، خصوصا مشهد المكرونة، ومشهد لما كان بـ يدوق الأقل.
خلال رحلة بحثه عن عمل، وتبديل مكانه من واحد الناس بـ تطلب منه شغل، لـ واحد بـ يطلب شغل من الناس. بـ يعيد إبراهيم اكتشاف نفسه، تلاقي إنك لو حطيت نفسك مكان الناس، مش بس هـ تعذرهم، ده منطقك في الحياة ذات نفسه هـ يتبدل.
لما كان باشكاتب في فابريكة الكازوزة، جاله واحد يطلب شغل، والواحد ده كان اشتغل قبل كده في شركة سجاير، فـ كان منطق إبراهيم أفندي: ازاي كنت بـ تشتغل في حاجة مولعة نار، وجي تشتغل في حاجة ساقعة تلج. ولما اتطرد هو في الشارع، وراح يطلب شغل في شركة سجاير (كشك بـ الأحرى) كان منطقه: وفيها إيه؟ ما ده بـ يتشرب وده بـ يتشرب.
يوصل بيه الأمر في النهاية إنه يتحول مرمطون، مهزأ، مفيش مكان في حياته لـ أي اعتبارات أخلاقية، الأولوية لـ سد الجوع، وبعدين تيجي أي حاجة، أو ما تجيش، فـ يتقال عليه: “صبي المنوم المغناطيسي”، وأي حد يقدر يقول له يا حيوان يا بجم، ويضطر إنه يتجوز البنت اللي مكنتش تنفع تشتغل عنده خدامة، ويتحمل سيرها البطال مع مدير الصالة.
مدير الصالة ده كان محمد الديب جوز إحسان الجزايرلي اللي كتبت عنها قبل كده هي وولاد الجزايرلي كلهم.
في النهاية، تروح حوا تراقب آدم وهو متبهدل بعد خروجه من الجنة، فـ يقف في مواجهتها ويقول لها: جاية تشوفي نهاية عملتك؟ مغرور آدم برضه، وهي كانت علمتها لـ وحدها؟ إنما هـ تقول إيه بقى.
علشان كده الفيلم كان فيه غم كتير، وعن نفسي المشاهد اللي المفروض تضحك، كانت، ومازالت بـ تجيب لي اكتئاب، ولولا إني من الفئة اللي بـ تحب تعذب نفسها، وتحب الأعمال المؤلمة، مكنتش تحملته، ومتفهم جدا ليه عمل زي يفشل جماهيريا، حتى الحقن اللي حاول الريحاني يعملها بـ افتعال خناقة أو حتة إثارة كده بـ حكاية الساعة الدهب ما تاكلش، يعني مش معقول فنطاس ويسكي، عايز تحط عليها نقطة مية، قال يعني بـ تخففه، في الحقيقة فضل طعمه سك.
اتغمينا كتير نفرفش شوية بقى
ونروح لـ إسطوات تانيين في زمن تاني، وفيلم تمانينياتي كوميدي اجتماعي
تفتكر فيلم إيه؟
تابعونا