أى طرح خاص بأن دعوات مقاطعة انتخابات البرلمان التى أطلقها الإخوان أو بعض من التيارات السياسة فى مصر هى سبب الإقبال الضعيف على لجان الاقتراع فى المرحلة الأولى من انتخابات مجلس نواب 2015، تبدو عبثية وكاذبة ومغايرة للحقيقة.
أى مقارنة بين نسب المشاركة فى انتخابات المجالس النيابية المصرية على مدار العشرين سنة الأخيرة باستثناء الطفرة الحماسية التى شهدتها مصر بعد ثورة 25 يناير ستجعل من نسبة المشاركة فى الانتخابات الأخيرة منطقية ومفهومة.
بالمثل أى محاولة لنفى أن الشارع يعانى من حالة عدم اكتراث وتململ تكاد تصل إلى الإحباط من الأداء السياسى الحاصل على مستوى الدولة أو مستوى النخبة السياسية، تبدو هزلية وحالة إنكار مرضية لواقع يقول بأن أبناء الطبقة المتوسطة وجزءا كبيرا من قطاع الشباب فى مصر يعانون من إحباط بسبب المتاهة وكوكتيل المتناقضات الذى نغرق فيه بسبب الممارسات السياسية، وتحديدا بسبب فتح المجال أمام إعلاميين وسياسيين يرون كل مختلف معهم فى وجهة النظر خائنا وعميلا و«طابور خامس» وأمام بعض الوجوه العكرة بأخلاقها، أو الناضحة بفسادها، أو الحاملة لجهل يكفى لتدمير وعى شعب يعيش مرحلة صعبة يقاوم فيها إرهاب ومخططات تفكيك وليس فى مصلحته أن يقاوم كل هذه الشرور وهو غائب عن الوعى أو مترنح الفهم أو يعانى من آلام الإحباط. فى بعض القطاعات الإحباط سيد الموقف، وحصول الإحباط على لقب «سيد» يعنى أن المشاكل قادمة، ومشاكل الإحباط ليست مالية ولا صحية يمكن حلها بطلب «سلفة» أو باستشارة طبيب، بل هى كالسوس ينخر فى عظم الدولة حتى يتركها قعيدة بلا قدرة على الحراك إلى الأمام. لا تنكرها، حزب المحبطين هو الأكثر استقبالا للأعضاء فى مصر الآن، والمحبطون لا يؤسسون لوطن، ولا يجوز أن تغفلهم الدولة لأن فى معرفة أسباب إحباطهم معرفة لعلاج مشاكل الوطن.
المحبطون فى مصر أنواع، وكل نوع يغنى على ليلاه، شباب أرهقتهم الهزائم بعد أن علت موجة أحلامهم مرتين الأولى فى 25 يناير والثانية فى 30 يونيو، وأحزاب أدركت عجزها بعدما تدحرجت الفرص أمامها مرة واثنين وثلاثة ولم تنجح فى قنصها، وأهالٍ سقطوا فى الفخ بسبب تكرار المرات التى كلما ظنوا فيها أن الدولة عائدة خذلتهم تصرفات نخبة سياسية فاشلة، أو تصريح وزير غير مدروس، أو أداء لإعلامى لم يفرق بعد بين ممارسة المهنة واللعب على الطبلة.
فى اليابان وعلى باب ضريح «توشوغو» الذى يعرف باسم المستقر المقدس، تظهر ثلاثة قرود أولها يضع يده فوق عينيه واسمه ميزارو (Mizaru) وهو يرمز إلى مبدأ (لا أرى الشر)، وثانيها يضع يده فوق أذنيه واسمه «كيكازارو» (kikazaru)، وكأنه يقول لا أريد أن أسمع الشر، وثالثها يسمى «ايوازارو» (Iwazaru) يضع يده فوق فمه مغلقا إياه تماما وكأنه يقول أنا لا أتكلم فى الشر.
للقرود الثلاثة تأثير كبير فى الحياة البشرية والاجتماعية، يظهرون فى الأفلام والروايات ويكتب عنهم الشعراء كرموز دالة على بعض المواقف البشرية، فى العالم القديم كان يتم استخدامها للإشارة إلى الإنسان المثالى الذى لا يتلصص ولا يتجسس على الآخرين، الذى يرفض النميمة والغيبة، ولا يستخدم حواسه التى أنعم عليه بها الرب فى إيذاء البشر. كان ذلك فى الماضى البعيد وفى دول الشرق الأقصى، أما فى ماضينا القريب وحاضرنا وعلى أرض العالم الثالث، تحولت القرود الثلاثة إلى رموز لأمر آخر، وأصبح يتم استخدامها للتدليل على الإنسان السلبى وفى بعض الأحيان الإنسان الجبان. فى مصر على سبيل المثال يرى الناس القرود الثلاثة تمثالا يجسد العبارات المصرية الأصيلة التى تقول: «الباب اللى يجيلك منه الريح سده واستريح، امشى جنب الحيط، المناخ العام ليس جيدا والمشاركة ستحتاج منك إلى عرق لا يجب أن تبذله حتى تظل محتفظا بصورتك كمناضل من ورق على شبكات التواصل الاجتماعى، مش مهم تشارك فى السياسة والشأن العام عشان تجيب لنفسك مشاكل».
فى البلاد التى لا تتمتع ساحتها السياسية بملامح استقرار وحيوية وحماسة واضحة، يستخدمون تماثيل القرود الثلاثة فى التعبير عن أشياء ثلاثة، إما عن مواطن يائس وبائس ومحبط يرى أن مشاركته فى الحياة السياسية والاجتماعية بلا طائل، أو مواطن خائف، أو إعلام منافق ونخبة عاجزة تريد من المواطنين أن يجعلوا من القرود الثلاثة قدوة. فى كتب الطب النفسى يعرفون الإحباط بأنه استجابة عاطفية لحالة من الاعتراض، أى هو رد فعل نفسى يعبر عن حالة عدم الرضا، تظهر بسبب وجود عوائق تمنع الإنسان من تحقيق الهدف، بسبب الطريق الذى يشعر الشاب أو الإنسان بأنه مسدود أمام أحلامه بسبب ممارسات الآخرين أو سيطرتهم، وللإحباط مصيران، الأول أن تعالجه وتفتح طاقة أمل جديدة، أو تترك المحبطين يتكيفون مع إحباطهم.. ووقتها لن تحصل إلا على نتيجة واحدة.. أشخاص أكثر عدوانية!