السلام “الرسمي” بين مصر وإسرائيل لم يصل أبدا للصحافة لسنوات طويلة، وظلت الصحف المصرية تتعامل مع إسرائيل بعداء شديد، لكن يبدو أن الأمر اختلف كثيرا في السنوات الأخيرة، وخلع البعض “برقع الحياء” وبات منحازا وبشكل علني لدولة الاحتلال.
المثال الأبرز على ذلك في الشهور الأخيرة، موقع دوت مصر – الممول من الإمارات – حيث اعتاد على نشر تقارير تنحاز ضد الفلسطينيين وتتعامل مع إسرائيل كدولة جوار، تلك التقارير جاءت منفصلة عن بعضها البعض لهدوء الأوضاع على الساحة الفلسطينية، لكن “انتفاضة السكاكين” لم تكشف فقط ضعف الكيان الصهيوني أمام نصال الفلسطينيين لدرجة تخفيف الحصار أخيرا عن المسجد الأقصى، لكنها أكدت أيضا السياسة التحريرية المحبة لتل أبيب في موقع دوت مصر الذي يكتب محرروها تقاريرهم على بعض أمتار من نيل القاهرة.
على سبيل المثال لا الحصر مصطلح شهيد فلسطيني لم يعرف طريقه إلى “دوت مصر”، خلال أحداث الانتفاضة الأخيرة، ولكنهم اعتمدوا على كلمة “مقتل” دائمًا.
الموقع الذي يتناول أخبار أفيخاي أدرعي، المتحدث باسم جيش الاحتلال، بشكل دائم، وكأنه مقرر علينا، يعرّفه داخل الخبر بـ”المتحدث باسم جيش الدفاع”، وهي تسمية إسرائيلية، لم تعتدها المواقع الإخبارية العربية.
أخبار أخرى على شاكلة “مسؤول فلسطيني: موجة العنف تهدد اقتصادنا الوطني”، فالخبر هنا نقل عن “مسؤول فلسطيني بارز”، وبالرغم من أن تصريحات هذا المسؤول، وهو خليل رزق، رئيس اتحاد الغرف التجارية والصناعية والزراعية في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، كانت تتحدث عن أن الإجراءات الإسرائيلية تعيق دخول البضائع، إلا ان إدارة تحرير الموقع اختار أسوأ عنوان ليكون واجهة الخبر.
آخر سقطات موقع “دوت مصر” في تعامله مع القضية الفلسطينية عمومًا والانتفاضة الأخيرة خصوصًا، كانت نشره لتقرير بعنوان “أمين الحسيني.. تعرف على شيخ النازيين العرب”، التقرير نُشر بتاريخ 27 يناير 2015، وتم تحديثه بتاريخ 22 أكتوبر، ليظهر إلى واجهة الموقع من جديد، تزامنًا مع هجوم بنيامين نتنياهو، رئيس حكومة الاحتلال، على مفتي القدس الراحل، وتصريحه بأنه من دفع هتلر لحرق اليهود.
رؤية إدارة تحرير “دوت مصر” في التقرير، لم تختلف عن رؤية نتنياهو، الذي هاجم منذ يومين، الحاج أمين الحسيني، مفتي القدس في فترة الأربعينات، قائلًا بأنه هو من أقنع النازيين بتنفيذ محرقة اليهود في أوروبا، وفي الوقت الذي تخجل فيه وسائل الإعلام المصرية من استغلال حالة التشوش السياسي المصاب بها المواطن المصري، تجاه القضية الفلسطينية، من باب “الحياء الإعلامي”، إلا أن “دوت مصر”، يصر على انتهاج هذه السياسة التحريرية في عز الانتفاضة.
الموقع ذكر في تقرير هجومه على الحسيني، جزءًا من تصريحاته في ذكرى وعد بلفور، التي قال فيها إن الوعد “المشؤوم” قرر إنشاء وطن قومي لليهود، كما دعا العرب والمسلمين إلى عدم التهاون مع هذا الشعب اليهودي المحتل لأراضينا العربية بقوله “هذا الشعب هو عدو العرب والإسلام”، وهي التصريحات التي من الواضح أنها لم تعجب “دوت مصر”.
في النهاية لا يهم إن كانت هذه السياسة التحريرية لموقع “دوت مصر”، من باب “الترافيك” أو التوجه السياسي المقصود، لأن النتيجة واحدة، وهي محاولة كسر الثوابت، ودس السم في العسل، وبالرغم من أن الموقع اعتاد على ذلك في شؤون بعيدة عن القضية الفلسطينية، مثل الملف المسيء لأم كلثوم، أو باختيار عناوين صادمة مثل “كيف كانت مصر في ظل الاحتلال البريطاني.. أجمل مدن العالم وأكثها تحضرًا ورقيًا”، إلا أن القضية الفلسطينية وطريقة تناول أحداثها إعلاميًا، تظل كاشفة لمن يحاولون خلط الأوراق.
وهنا لا يسعنا كقراء ومتابعون إلا أن نتحسس عقولنا من وقت لآخر عند متابعتنا للمواقع الإخبارية، أما من سيقرر متابعة أخبار الصراع العربي الإسرائيلي على “دوت مصر” فإليه نصيحة: “خلي بالك من عقلك.. ومن مبادئك أيضًا”.