بلا مقدمات.. أبكتنا الكاتبة الصحفية نشوى الحوفي في لقائها مع الشاعر مدحت العدل.. ابكتنا عدة مرات.. مرة حينما أسفت على من يحاولون حرماننا من امتلاك حلم ثورة 25 يناير مهما كانت المؤامرات التى سرقت تلك الثورة وركبت أمواجها.. ومرة خوفا من تكرار سيناريو الإخوان مع حزب النور باشكاله السلفية المتعددة ونحن نراهم يتسللون في خفية إلى حياتنا السياسية والاجتماعية.. ومرة حينما ذكرتنا بنوم الدولة العميق أمام أجراس إنذار دقها عظماء الدراما في مصر قبل عام 2011 رغبة في حماية الدولة لا النظام.. فأعمال أسامة أنور عكاشة ووحيد حامد ومحمد جلال عبدالقوى طالما حذرت من فساد العقول والضمائر ورجال يتخذون من الدين ستار لتنفيذ أطماع دنيئة.
تلألأت عيون نشوى الحوفى بالدموع وهى تروى مشهد تقديم فئات الشعب لأبنائهم في الكلية الحربية رغم الظروف العصيبة التى يمر بها الجيش الآن على الحدود، فالفلاح والموظفة والصحفية والعامل.. كلهم قدموا أبناءهم هدايا لا ترد للوطن وهم سعداء وهم يرونهم يهتفون “تحيا مصر”..
بكت نشوى وبكينا معها حينما وضعت يدها على بيت القصيد.. التعليم وغياب الوعى والقوافل الثقافية فى ربوع مصر وانهيار الأخلاقيات في المدارس وسوء أحوال المدرس، وأكذوبة اصلاح التعليم بتعديل المناهج، فتلك هى الطامة الكبرى.
أذكر اننى في سنوات دراستى بمدرسة الأورمان الإعدادية النموذجية كان تدريس الكبيوتر قد بدأ ينتشر في المدارس، فكانت كل مدرسة تخصص غرفة لتلك الأجهزة محاطة بكل وسائل الحماية من أقفال وأبواب حديدية ولا يدخلها الطلاب إلا في حضور مدرس المادة الذى كان غالبا إما مدرس رياضيات أو علوم او لغة إنجليزية وكانت مادة اجبارية يدرسها طلاب المدرسة بالكامل، وكان مدرسو تلك المادة يعدون من صفوة المدرسين لأنهم ببساطة عادوا لتوهم من بعثات لتدريس هذه المادة بعضهم كان في فرنسا والآخر في انجلترا وكان لدينا في المدرسة فصول متفوقين يحظى طلابها بمزيد من حصص الكمبيوتر مكافأة لهم على تميزهم.. وكانت لدينا إدارة صارمة لا تسمح بتجاوز الطلاب بأى حال من الأحوال في حق مدرسيهم أو في حق القواعد المدرسية المتبعة كالزى المدرسى وخلافه، ومع الوقت بدأت تتلاشى تلك الصورة من ذاكرتى حينما تجاوزت سور المدرسة في المرحلة الثانوية والتحقت بمدرسة الجيزة الثانوية الملاصقة للأورمان.. الحقيقة ان الفجوة كانت شاسعة بين هذه وتلك، فلم يبق من صورة المدرسة الإعدادية إلا فصل المتفوقين وفي الصف الثالث الثانوى فقط وفى المقابل كان بالمدرسة مكان يسميه الطلاب “الغرزة” يستمتعون فيه بشرب السجائر على الأقل، ومبنى منعزل يسمونه ايضا “العزبة” لأن الداخل فيه مفقود والمسئولون عن إدارته مدرسون لا يتعاملون مع الطلبة إلا بالعصا والخرزانة.. صورة لم تتلاشى من ذهنى قط خاصة وان حظى التعيس وضعنى في هذا المبنى في صفى الدراسى الأول فكنت أتفادى أى صدام منعا لتعرضى لأى اهانات.
مرت السنون وصرت أخشى على اولادى هذه الصور السيئة في المدارس خاصة واننى لم أعرف مدى التطور الذى حدث في هذه السنوات بعد ذلك.. ولكننى ادركت ان أمرين لا ثالث لهما هما ما نحتاجه اليوم وذكرتنى بهما نشوى الحوفى في لقائها.. بناء المعلم اجتماعيا ونفسيا ومهنيا ثم الإدارة.. تلك الكلمة التى توحى بالدوران، فمهما طورنا المناهج فسنظل ندور في حلقة مفرغة مادام مانح تلك المناهج للطلاب مازال يعانى والنتيجة أن كثير من المدرسين لا يملكون الرغبة في التدريس أصلا وبناءً عليه تمر الحصص في المدرسة عبثا.. أغلبهم لا يعرفون كيفية إدارة الحصة فيتم الحشو والتلقين من بدايتها لنهايتها بلا وعى.. حصص الأنشطة مازالت ابنا غير شرعى للتعليم فحتى اليوم مازال مدرسيها – في الغالب – غير متخصصين، وللأسف فقد جعلت وزارة التعليم حصص الأنشطة اختيارية بمعنى أن يختار الطالب مادتين فقط لدراستهما وبناء عليه يعانى المدرسون من تكدس في بعض الحصص وفراغ في البعض الآخر وبالتالى لا يستفيد أؤلئك أو هؤلاء من أى شيء، وكثير من الطلاب لا يجدون ما يفعلونه فينطلقون في مدارسهم عابثين لاهين خاضعين لأوامر الشيطان في هذه السن الحرجة.
هؤلاء الطلاب يا سادة يحتاجون إلى من يخاطب عقولهم فنيا وثقافيا وعلميا ولا يكفى أن نتركهم في مدارسهم محصنين أنفسنا بما دفعناه من مصاريف صارخة فاقتطعوا من اوقاتكم لتغذوا هؤلاء الصغار والشباب كل في مجال عمله لعل وعسى يجد هذا البلد من ينهض به وضع نصب عينيك ما نادت به زميلتنا نشوى الحوفى عملا بمقولة رسول الله: إن قامت الساعة وفي يد احدكم فسيلة فليغرسها.