طارق الشناوي يكتب: "زكى قدرة" وأصبعه الفسفورى!

نقلاً عن المصري اليوم

سألوها عن الانتخابات الأخيرة؟ قالت النجمة إنها منذ ليلة أمس وهى تعيش فى عيد، لم تستطع النوم، ومن فرط فرحتها اشترت فستاناً وشنطة وحذاء وشراباً جديدة لتستقبل بها بشائر العيد، فهى لن تفوتها لحظة ولا ومضة من هذا العُرس، وحرصت الجريدة على أن تلتقط لها صورة، أقصد لأصبعها، وهو مغموس فى الحبر الفسفورى، مع ابتسامة تليق بالفعل بهذا الحدث الجلل، هل حقا تشعر النجمة بفرحة العيد وهى ذاهبة إلى صندوق الانتخابات؟ أصبعها فى الحقيقة عندما تأملته كان يرقص من فرط السعادة، أما نجم الكوميديا وبعد أن أشهر فى وجه المصور أصبعه الفسفورى، الذى كان لا يتوقف عن الضحك والقهقهة، أقصد أصبعه، لأن نجم الكوميديا كان يتحدث بكل جدية قائلا إنه لا يعرف فلان من علان من ترتان، ولا يعنيه ولا تفرق معه هذا المرشح من ذاك، زيد أم عبيد كلهم سواسية، لأنه لا يعرفهم ولم يطلع على برامجهم الانتخابية، إلا أنه قرر المشاركة بالتأكيد ليس خوفا من تلك الشائعة التى أطلقتها الصحف، أقصد الـ500 جنيه عقاباً لمن لا يحضر، ولكنه حرص على أن تصل رسالته قوية مجلجلة إلى السلطة بأنه يقف معها فى كل موقف ويردد وراءها كل هُتاف، حتى لو لم يعرف أين يقف بالضبط، وما هو الهتاف المطلوب ترديده، غالى والطلب رخيص «انزل يا زكى قدرة ينزل زكى قدرة.. انتخب يا زكى قدرة ينتخب، فين صباعك الفسفورى يا زكى قدرة».

قسط من نجومنا يعملون داخل نفس الحلبة، حتى عندما تعثرت المرحلة الأولى فى الانتخابات بسبب تراجع الإقبال الجماهيرى كان فريق آخر من الملحنين والمؤلفين والمطربين قد بدأوا فى إعداد ملاحمهم الغنائية لحث المواطن على النزول لإنقاذ الموقف فى المرحلة الثانية، لم يدركوا أن مثل هذا الفن الموجه لا يعنى شيئاً لأنه لا يصل إلى قلوب الناس، هل طلب أحد مثلاً من الشاعر محمد حمزة، والموسيقار بليغ حمدى وصوت مصر شادية أن يقدموا قبل انتصار أكتوبر «يا حبيبتى يا مصر» ليرددها الناس، وحتى الآن لاتزال هى الأغنية التى تعبر عن مشاعرنا، لو تأملت المنظومة سوف تكتشف تعدد الأدوار، حتى المؤسسة الدينية تشارك فى العزف، وتحرم تارك الانتخابات وتعتبره آثما مثل تارك الصلاة.

الإعلام، أقصد بالطبع القسط الأكبر والواضح والمؤثر منه، لم يتوقف عن محاولة الدفع بالمرشحين الذين تعتمد عليهم الدولة، وصارت البلطجة أحد معالم المرحلة، كلما كنت بلطجياً سليط اللسان منحت لك مساحات داخل برامج «التوك شو»، فهو يبدو زمن البلطجة وهتك الأعراض.

نعم الجمهور شارك بالصمت عندما لم يواجه الفساد السياسى والإعلامى، واستسلم لدور المشاهد السلبى الذى يتم الدفع به إلى أتون المعركة الانتخابية، وفى أكثر من برنامج تكتشف أن البلطجة لها مريدون ومشجعون، وتستطيع أن توجزها فى تعبير واحد «المصالح تتصالح»، لكن البلطجى فى معادلة أخرى سوف يطيح أيضاً بمن صنعوه.

يبقى الحديث عن نظام الصندوق، علينا أن ننتظر كلمة الصندوق، حتى لو جاءت ضد ما نعتقد أنه الصواب، هل هذا الشعب ينحاز إلى صورة البلطجى برغم أنه فى حياته الشخصية يميل إلى مهاجمتها؟ هل تعلمون أن مصر من أكثر دول العالم فى متابعة المواقع الإباحية، ربما تجدون فى تلك المعلومة إجابة واضحة لماذا صارت البلطجة هى العنوان السائد فى كثافة المشاهدة.

نعم صندوق الانتخابات يجب أن ننصت له، حتى لو كانت لدينا تحفظات على الأمر برمته مع غياب تام للحياد الإعلامى فى القسط الوافر منه، ودخول رأس المال و«طناش» المتابعة، لأن البديل لو كفرنا بالعملية الديمقراطية فى هذه الحالة هو أن نرحب بالديكتاتور، نحتاج بالفعل إلى أن نتحرر من سلبيتنا أولاً، وهذا لن يحدث إلا بالتجربة واستمرار المحاولات، الشعب بمثقفيه وفنانيه جزء مؤثر، هناك إحساس أن الدولة تريد من نجومها، بما يملكون من رصيد شعبى الكثير، إلا أن دورهم صار الآن هو بالضبط تنفيذ ما تريده الدولة وليس الدخول فى جدل.

أتذكر عند صعود الإخوان إلى سدة الحكم أن إحدى النجمات المرتبطة بمشاهد الإغراء قالت فى أحد البرامج، أريد أن أعلن شيئاً لم أقله من قبل إننى منحت صوتى لهم، نعم هم يستطيعون التكيف مع أى سلطة والوقوف تحت مظلتها طالما وفرت لهم الحماية.

النجوم تعتمد عليهم الدولة فى لحظات مصيرية، يعلمون جيداً أنك عندما تقدم للدولة السبت سوف ينتظرك الأحد، شاهدنا مثلا قبل أقل من خمس سنوات كيف أن المطرب الشهير يهدد المتظاهرين فى الأيام الأولى لثورة 25 يناير بأنه سوف ينتحر لو لم يعودوا إلى بيوتهم ويتركوا الميدان، كان يريد بالتأكيد أن تصل الرسالة إلى الدولة بأنه فى عز الخطر الذى يهددها راهن ليس فقط بمستقبله الفنى ولكن بحياته بل وجسده الذى تجاوز وقتها رقم 100 كيلوجرام، وما حدث هو أنه بعد نجاح ثورة 25 ازداد المطرب تشبثاً أكثر بالحياة، ووزنه ازداد أكثر وأكثر، بعد أن وفق أوضاعه على كل أنظمة العهود التالية، عندما كان هناك من يراهن على ميدان «مصطفى محمود» باعتباره معقلاً للدفاع عن مبارك تفتق ذهن أحد النجوم أن تذهب زوجته إلى «مصطفى محمود» ترفع شعار «آسفين يا ريس»، وعندما أجبر مبارك على التنحى، على الفور سبقها إلى التحرير يهتفان مع الثوار يسقط مبارك.

نعم الأمر أراه أخطر بكثير مما تظنون وتعتقدون، وكلما ازدادت نجومية الفنان صار أكثر خضوعاً لما تريده فى العادة السلطة الحاكمة، بل ويزايد عليها، فهو يريد حماية رصيده المادى والأدبى ويعلم أن للدولة دائما أسلحة تنزع عنه نجوميته لو خرج عن الصف.

هل ترونها مجرد أزمة عدد من النجوم توارثوا جينات النفاق، والسلطة بريئة تماماً من كل ذلك؟ نظرياً ممكن، ولكن تستطيع الدولة أن تُقدم رسائل مغايرة، صرح مثلاً مطرب كبير قبل أشهر قليلة بأنه يريد الغناء مباشرة باسم السيسى، ولكن من الواضح أن جهة ما أوصلت إليه الرسالة: الرئيس لا يريد، فلم يجرؤ أن يفعلها لا هو ولا غيره، السلطة تستطيع لو أرادت أن توقف زحف طابور المنافقين وطابور البلطجية.

اقـرأ أيـضـًا:

5 محطات أدت إلى توقف ترام هاني المسيرى

بعيدا عن الرفض المطلق .. 10 حقائق عن حروب الجيل الرابع

من هو “رجل الثلاجة” ضحية أمطار الإسكندرية؟

أحمد مرتضى منصور: 6 إبريل وراء انتشار فيديو “الألفاظ الخارجة”

محمد فؤاد: أحمد موسى أقرب مذيع لقلبي

 .

تابعونا علي تويتر من هنا

تابعونا علي الفيس بوك من هنا