كتبت منذ ثلاث سنوات مقالا تحت عنوان (محمود الخطيب) عبرت من خلاله عن أعجابي الشديد بالنجم الكبير .. يومها تلقيت منه أتصالا هاتفيا يشكرني فيه على ما قلت ومنذ ذلك الحين استمر التواصل بيننا حتى انقطع- للأسف الشديد- عقب انتخابات الأهلي الأخيرة التي جعلته يحجم علاقته بالإعلام وكل العاملين به.
اليوم هو عيد ميلاد أسطورة الكرة المصرية وبهذه المناسبة أعيد نشر مقتطفات من المقال الذي كان سببا في تعرفي عليه، لعله أيضا يكون عاملا في إعادة وصل ما انقطع.
خلاال إحدي ليالي الصيف أوائل السبعينيات جلست مع أبي -رحمه الله- لمتابعة مباراة في الدورة الصيفية السنوية جمعت بين فريقي الاهلي والأتحاد السكندري…كان ضمن تشكيلة الفريق الأحمر مهاجم ناشيء ظل طوال الوقت يراوغ ويستعرض مهاراته دون أن يمرر الكرة لزملائة فصاح أبي غاضبا :(إية الواد الأناني اللي الاهلي جايبه ده!)..
أما أنا فقد تعلقت عيناي وكل حواسي بهذا اللاعب الجديد كي أتعلم منه بعض الحركات الفنية تمهيدا لتطبيقها بصورة عملية حين ألعب مع أقراني .. أسم هذا الناشيء كان: محمود الخطيب.
بمرور الأيام لمعت موهبته لدرجة دفعت والدي للاعتراف بها قائلا: ( الواد دة أحرف من صفوت عبد الحليم)، وكانت هذه العبارة بمثابة شهادة جوده جعلتني أتعلق اكثر بهذا النجم الحريف وأتابع أخباره في كل مكان…عندما أصدر المرحوم أحمد عفت كتابا عنه كنت أول من اشتراه وقرأته عشرات المرات حتى حفظته أكثر من كتب المدرسة!.. ما زالت احتفظ بالنسخة حتى اليوم بل وأطالعها بين الحين والآخر رغم مرور السنوات.
تمنيت أن أراه يلعب على الطبيعة وتحققت هذه الأمنية حين استقررت في القاهرة لمتابعة دراستي الجامعية مما أتاح لي فرصة الذهاب إلى الاستاد لمشاهدته أكثر من مرة أتذكر منهم اثنتين بالتحديد: الأولى كانت مواجهة بين الأهلي والمصري وفيها تلقى الخطيب إحدي الكرات العالية على حدود منطقة الجزاء فأوقفها على صدره وعدلها فوق ركبته ثم سددها على الطاير نحو المرمى دون أن ينتظر ليري أين ذهبت الكرة بل أتجه نحو المدرجات رافعا يديه لتحية الجماهير وبالمصادفة وقف أمامي مباشرة، مما أصابني بالجنون فظللت أقفز في الهواء وأصفق بيدي حتى تورمت لأن التسديدة كانت بالطبع هدفا رائعا!.
المرة الثانية كانت يوم اعتزاله عام 1988، وفيها (انفعصت) بين أكثر من مائة ألف متفرج – رقم قياسي لم ولن يتكرر في مهرجانات الاعتزالات- جاءوا معي لنودع نجم النجوم.. وقتها ضاع صوتي وأنا أهتف مع أغنية الإذاعة الداخلية 🙁 بيبو بيبو.. الله يا خطيب) و نزلت دموعي وأنا أسمعه يقول بتأثر: ( ألف شكر..ألف شكر).
مهاراته الفنية أبهرت جميع المحللين وجننت كل الجماهير والمعلقين الذين لم يتمكنوا أبدا من التحكم في انفعالاتهم وهم يصفون اللمسات السحرية لهذه الفلتة الكروية.. حسين مدكور كاد أن يصاب بأزمة قلبية وهو يصيح بصوت متحشرج حين سجل الخطيب هدفا مذهلا داخل مرمى كوتوكو في نهائي بطولة إفريقيا: (والله كنت بألعبها معاك يا بيبو)، ميمي الشربيني صرخ مذهولا حين رأه يوقف الكرة بطريقة مستحيلة 🙁 إيه اللى بيعمله في الكورة ده.. ده ناقص يكلمها)، أما علي زيوار فكان يكتفي بمقولته الشهيرة: (يا ولد يا ولد يا ولد).
الشيء الوحيد الذي لا أحبه في كل ما يتعلق به هو لقب الدلع (بيبو)، الذي اخترعه البعض، حتى هو نفسه لا يستسيغه -كما سمعته يقول مرة -ويفضل عليه اسم محمود.. بالفعل هو محمود الذكر حسن السيرة والمسيرة.
مؤخرا قابلته بالصدفة في مدينة الرحاب فقررت فورا التقدم لمصافحته والتصوير معه لكنني وجدت نفسي متسمرا في مكاني و لم أجرؤ على الاقتراب من فرط سعادتي ورهبتي وأنا أراه على بعد مترين مني.. بالطبع لم يلحظ هو وجودي واستدار ومشي لتضيع عليا الصورة التاريخية التي كانت ستجمعني به في كادر واحد.
أتمني من الله أن يمتعه بالصحة والعافية ليبقى طويلا بين كل عشاقه ومحبيه الذين يعتبرونه نموذج حي لرياضي بارع وإنسان رائع لا يجود الزمان بمثله كثيرا.. سنة حلوة يا خطيب.