القصة مختلفة بعض الشيء هذه المرة.. إنها “لبنى”.. هل تعرفونها؟!.. إنها تلك الشابة السمراء التي تراها بجلباب زاهي الألوان تحمل طفلها الصغير وتسير في دلال في الطريق المؤدي الي منزلنا.. يمكنك إذا إقتربت أن تري آثار متبقية من طلاء رخيص للأظافر علي يديها.. يمكنك أيضا أن تلمح ذلك القرط المعدني الذي ترتديه لتحافظ علي الثقب في أذنها.. بعد أن باعت قرطها الذهبي منذ اعوام ليدفع زوجها ذلك المبلغ الذي اقترضه ..لتنقذه من السجن!
إنها لبنى التي تعمل خادمة في أكثر من منزل مجاور بنفس الحي.. إنها تتسم بالنظافة والأمانة.. لذا يطلبها الكثيرون للعمل.. و هي لا ترفض عملاً أبدا.. فهي تحتاجه بشدة لتنفق علي أسرتها الصغيرة.. فزوجها عاطل معظم الوقت!!..انه سائق ولكنه لا يمتلك سيارة أو حتي رخصة مهنية للقيادة.. فقط يعمل كل حين بدلاً من أحد أصدقاؤه علي سيارة أحدهم.. لذا فهي تضطر للعمل حتي توفر دخلا منتظما لهما!
إنها لبنى التي تعشق أن تشاهد برنامج تلك المذيعة الشقراء المثيرة للجدل.. إنها تحبها بالفعل.. فتجدها تطلب من صاحبة المنزل الذي تعمل به كل يوم دون خجل أن تشعل التلفاز لتشاهد إعادة الحلقة التي تذاع صباحاً.. لتبدأ يومها دوما بالتلكؤ في غرفة المعيشة حتي ينتهي البرنامج..! ثم تبدأ عملها في باقي المنزل!!.
كان الامر مثيرا لانتباه صديقي الذي تعمل في منزلهم فسألها ذات يوم عن سر إعجابها بذلك البرنامج المستفز من وجهة نظره ..لقد كانت بسيطة صريحة حين اجابت: انها تساعدنا .. فلم لا أحبها؟!
كانت اجابتها مبهرة بالقدر الكافي لصديقي ليستمر في النقاش
– بئس المساعدة ..إنها تتاجر بكم.. انها تبحث عن مجد شخصي لها فقط.. لاخير في صدقة يتبعها أذي.. ألا تفهمين؟!
– وماله يا بيه.. طالما هنستفيد في الاخر يبقي تتاجر براحتها.. يعني احنا لقينا اللي مش هيتاجر بينا و قلنا لأ؟!
لم تفهم لبنى .. او ربما فهمت منذ زمن طويل ما عجز صديقي عن فهمه!
تعرف لبنى جيدا أنها و أمثالها قد تحولوا إلى سلعة منذ فترة طويلة.. تعرف أن الكثيرون يتاجرون بفقرها و بمرضها و بحاجتها لتوفر لإبنها الصغير ما يسد جوعه.. تعرف كل هذا و لا تبالي.. انها تبحث عما ستستفيده فقط..لا يهمها أن يقدم لها أحدهم المساعدة بأي شكل .. و ربما بأي ثمن!.. ربما تعرف أيضا أنها لا تمارس الدعارة فقط لأنها لا تحظي بالجمال الكافي .. و لم تسرق منزلاً من المنازل التي تعمل بها حتى الآن لأنها لم تجد أمامها الفرصة التي تغنيها عن العمل به مرة اخري.. يقولون أن مقياس الشرف و الأمانة تحديدا لا يمكن قياسه إلا في لحظة اختيار حر.. لم تتعرض لبنى لتلك اللحظة بعد.. تعرف جيدا أنها لن ترفض في الأغلب.. !
بالأمس قابل صديقي لبنى صدفة أمام منزلهم فسألها عن رأيها في ما يحدث من هجوم علي مذيعتها المفضلة بسبب حلقتها الاخيرة .. من المهم ان تسمع رأي لبنى اذا كنا نتحدث عن تلك المذيعة تحديداً..
– انتم يتكرهوها علشان بتساعدنا يا بيه.. و ربنا هينصرها عليكم ان شاء الله .. أو هيبعتلنا غيرها..ربنا مبينساش حد!
كانت إجابتها حاسمة واضحة.. لقد اختارت صفها في بساطة و سرعة.. أو ربما اختارت نفسها..!
لقد حملت إجابة لبنى مؤشراً خطيراً لم ينتبه إليه أحد من مهاجمي المذيعة الشقراء أو برنامجها!.. لقد هاجمتم البرنامج.. فهل ستتوقف التجارة بالفقراء؟!
الإجابة أوضح من ان أجيب.. سيختفي برنامج ليظهر آخر.. و ستنزوي مذيعة شقراء لتظهر أخري ربما تحمل شعراً داكناً هذه المرة .. وربما ستتعلم من أخطاء الآخرين و تنتهج أسلوباً مختلفاً بعض الشيء عن أسلوب خريجي الجامعة الأمريكية “الأوبن ماينديد”..! فمنذ متي و إغلاق المتاجر مفيداً .. طالما توفرت السلع !!
لقد كرهتم تصنع و تدليس تلك المذيعة .. و لكنكم تركتم الباب مفتوحاً لأخريات سينتهجن نفس الطريق.. و سيحظين بنفس الشعبية.. فجمهور مثل هذا النوع من الإعلام موجود …بل و مستعد لإستقبال كل أنواع النخاسة الإعلامية.. طالما أنهم سيستفيدون في النهاية!!