يزعجني جدا حد الامتعاض من يروجون لمقولة (إعلام السيسي)، أحزن على ترويج تعبيرات غير مفهومة وغير حقيقية، الترديد غير الواعي للأي كلام لن يظهرنا أننا أصبحنا شعبا واعيا ومثقفا سياسيا، لا أمام أنفسنا ولا أمام الآخرين، لكن الحقيقة أنه يأخذنا للخلف ويزيد من جهلنا وتخلفنا السياسي، الذي كان السبب في هزيمة حلمنا الديمقراطي، قبل أي سبب آخر.
هل للسيسي إعلام؟
المتبع الذي تربينا ونشأنا عليه أن إعلام الدولة هو إعلام النظام، يروج لمشاريعه حد التهويل، ويقلل من أخطائه حد التهوين، يهتم به الرئيس ويستقوي به كذراع لمخاطبة الجماهير، مع حزبه الذي يمثل ذراعه في الأوساط السياسية.
هذا عندما كان هناك إعلام دولة، وتليفزيون وإذاعة يحركان ليس مصر فقط، وإنما الوطن العربي من المحيط للخليج، وذكريات العصر الذهبي للإعلام المصري في الستينيات ليست ببعيدة، عندما كانت الإذاعات تُنشأ للعب دور استراتيجي، وكانت “صوت العرب” تقيم وتدعم ثورات دول، هل تبقى من كل هذا شيء أكثر مما قاله “أبوحفيظة” في أوبريته الذي أثار “حفيظة” موظفي ماسبيرو؟؟
لكن الغريب فعلا أن عبارة (إعلام السيسي) تقال للإشارة إلى الإعلام الخاص، متجاهلة أي منطق يرفض هذا الأمر، ويتجاهل حقائق لا تغيب عن أحد، هل تقصد عبارة (إعلام السيسي) هذا الإعلام:
– إعلام (قنوات وصحف) خاص مملوك لرجال أعمال أكلوا على جميع الموائد ورقصوا مع جميع الأنظمة، التي توالت على مصر منذ ثورة يناير، ثم على جثثها عندما ترحل.
– إعلام هدفه الأول منذ أول يوم لإنشائه وحتى الآن كان ولايزال مصلحة مالكه والتخديم على استثماراته، لا استثني ماكان موجودا ومنتشرا ومتألقا في آخر عصر مبارك، حتى لو كان يرتدي وقتها ثوب المعارضة والاستقلالية، فكواليس أصحاب هذه الصحف والقنوات مع الحزب الوطني وذئابه لا تخفى على أصغر محرر، حتى ولو لم يتم نشرها أو إعلانها، فليس كل الكواليس صالحة للنشر.
– إعلام لم يقم إلا لحماية استثمارات مالكيه، والتخديم عليه، باللعب مع النظام السياسي بالترغيب والتهليل والتصفيق مرات وبالترغيب والتلويح بفضح فساده وتقليب الناس عليه مرات، وصل لذروته عقب ثورة يناير عندما انفجرت في وجوهنا جميعا قنوات وصحف ومواقع ما أنزل الله بها من سلطان، ليس حبا في رسالة الإعلام الهادفة لا سمح الله، ولا رغبة في تنوير الشعب والأخذ بيديه إلى حقوقه، وإنما لإيمان كل رجل أعمال أنه بحاجة لصوت إعلامي يضعه في الصورة.
بداية الصدام
ورغم أننا على مشارف صدام، إذا لم يكن بدأ بالفعل، بين السيسي والإعلام، راجع ردود الإعلاميين على عتاب السيسي في كلمته في الندوة التثقيفية بتاريخ 1 نوفمبر 2015، التي عاب فيها على أحد الإعلاميين قوله: “السيسي قاعد مع سيمنز وسايب إسكندرية تغرق”، ثم تعميمه العتاب للإعلام بالكامل، مؤكدا أنه به مشاكل مهددا أن يشكو الإعلاميين للشعب، في عبارة لم نكن تمنى سماعها من رئيس دولة يحكم بدستور وقانون قادر على تعديل ما يراه مخالفا لهما، بدلا من التهديد بإعادة مشهد سيء عشناه منذ 3 سنوات عندما خرج الغوغاء يرددون: “الشعب يريد تطهير الإعلام”.
هل قصد السيسي إشعال هذه المعركة الآن تحديدا، وقد شارفت انتخابات البرلمان على الانتهاء، المكلف بتشكيل المجلس الوطني للإعلام؟ هل مهاجمة الإعلام بهذه القوة والمباشرة، من الرئيس الذي يفضل عدم الصدام غالبا، في نفس التوقيت الذي أسقط أبوحفيظة ورقة التوت الأخيرة عن جسد “ماسبيرو” المتحلل مقصودا للتمهيد لقرارات قوية وإعادة هيكلة حقيقية، تهز تلال الفشل التي صارت جبالا في مؤسسات الإعلام الرسمي (صحافة – تليفزيون)، وفي نفس الوقت الذي يحجم به (الإعلام الخاص) لقصقصة ريش رجال الأعمال في خطوة تستحق وصف “ضرب عصفورين بحجر”؟؟
هذا ما ستكشف عنه الفترة القادمة، أو بمعنى أدق: هذا ما نتمني أن تكشف عنه الأيام القادمة … إذا كانت ستكشف عن شيء.