أثار تضمين قرار غرفة صناعة الإعلام إبلاغ الرئاسة ومجلس الوزراء بقرار حظر رئيس الزمالك من الظهور في وسائل الإعلام، علامات استفهام عدة، ليست بالجديدة بطبيعة الحال، لكنها قدر غرابتها فإنها ترسخ ثقافة “بابا الرئيس”، الذي يجب أن تمر عليه كل الأمور بصغائرها وكبائرها، ويجب أن يختم على كل صغيرة وكبيرة، ويستخدمه البعض “خوافة”، والبعض الآخر يطبل له عله يرضى ويعطي ما لا يجب أن يعطي.
الأمر أصبح أكثر من المألوف، فليس من الطبيعي أن يتحرك رئيس جمهورية لينشئ كوبري مشاة، كما أُعلِن منذ يومين استجابة لطلب مواطن، ولا من المعقول أن يتدخل الرئيس ليصالح شخصيتين مهما بلغ حجمهما، ولا من المنطقي أن يطلب الشعب من الرئيس أن يوقف إعلاميا أو يعاقب صحفيا أو يحل مشكلات هي في الأساس تتبع وزارة أو مؤسسة أو هيئة معينة، لكن تلك الثقافة بالفعل بدأت تكتسح كل العقول.
المعزول محمد مرسي، ظن أنه الفاروق عمر، وأنشأ ما يسمى ديوان المظالم، فتوافد المئات على القصر الجمهوري بمظالم وطلبات وشكاوى والتماسات، لكنها كلها ذهبت أدراج الرياح، ظن الناس أن كلمة الرئيس هي العليا، فساعدهم من هم حول الرئيس السيسي وأعلنوا عن إيميل لتلقي نفس الشكاوى والمظالم، فاعتبروا أنه واجب عليه أن يذهب ليزور كل سيدة تعرضت للتحرش، ويستقبل كل سيدة تبرعت لأي جهة، مثل السيدة التي تبرعت بقرط ذهبي لصندوق تحيا مصر، وزادت طموحاتهم بالظن أنه قد يوافق على حضور فرح في منطقة شعبية، والتفرغ لحل مشكلة نظافة أو رشاوى أو اعتداء أمين شرطة على مواطن.
لا أستسيغ فكرة أن يتحول رئيس جمهورية بحجم مصر إلى “شيخ بلد” أو “عمدة”، فكل صغيرة لها من يحلها وكل كبيرة مهما كبرت لها مؤسسة تصدر فيها القرارات، إلا أن الجميع بمن فيهم الجهاز الإعلامي لمؤسسة الرئاسة يساهمون في خروج الأمور عن مسارها الطبيعي، ويخترعون مهاما جديدة أصغر من إسنادها لرئيس جمهورية، فهل على الرئيس أن يعطي الضوء الأخضر لمؤسسات الدولة لكي تنفذ قرارا –من المفترض أنه حرا ونزيها- بوقف التعامل الإعلامي مع رئيس نادي؟!!
فكرة صنع الآلهة تتسلمها الأجيال المصرية بشكل لا إرادي، بداية بنموذج الرئيس، وانتهاء بكل نماذج الموظفين والإداريين والتابعين في كل مناحي الحياة، الجميع ينافق ويتملق على طريقة “ماشيين بالخطوط العريضة اللي معاليك بتحطها”، لكن أن يصل الأمر لأن تضع المؤسسات صلب مسئوليتها في سلة وترسلها لرئيس جمهورية لديه ما لديه من مهام جسام، وأفكار وخطط وقرارات أكبر من تلك الأمور، حتى يوافق أو يرفض، أو لمجرد تخويف الطرف الآخر “إحنا هنقول للريس عليك”، فهذا ينبئ بوجود خلل، يجب أن ينتبه له هؤلاء.
لا أنكر أن بعض اللمسات الإنسانية للرئيس يجب أن تكون حاضرة، وكنت بنفسي حلقة من حلقات توصيل الطفل “عمر” المريض بالسرطان لمركب السيسي وقت افتتاح القناة الجديدة، لكن ما أنكره أن يتحول الأمر إلى حد سيدة تطلب الطلاق، وتنادي الرئيس لمساعدتها، أو شخص يعلق صورته على مقهى مخالف حتى لا يتعرض للمساءلة، وتلك الفيديوهات التي تتضمن “….يطالب السيسي بـ…”، وما أكثرها، فهل يعقل أن يتجاوز شخص كل تلك المناصب والمؤسسات والمسئولين ويتعلق بأمل مقابلة الرئيس لتنفيذ مأربه؟!
ما سبق وأكثر، يؤكد استمرار فقدان قطاع عريض من الشعب للثقة في مسئولي الحكومة، وفقدان الأمل في انصلاح حال المؤسسات الحكومية التي تعج يظلم المواطنين أكثر من مئات الآلاف من الأوراق المكدسة في المكاتب، وحتى فقدان الثقة في شجاعة مسئول يتخذ قرارا ولا ينتظر أن يتفق معه الرئيس أم لا، ويرسخ في الأذهان أن الكفاءات لا مكان لها في تلك البلاد، ويقودنا إلى التضرع لله طلبا لرئيس درس وعمل بكل المجالات العلمية والفنية والرياضية والعلوم الفضائية والعسكرية والقانونية والزراعية والصناعية والتجارية، حتى يتمكن من اتخاذ كل القرارات التي كان على غيره اتخاذها.