في تقرير للتايمز يستعرض استطلاع رأي أجرته الصحيفة رصد أن شابا واحدا على الأقل من بين كل سبعة شباب بالغين في بريطانيا يتعاطفون مع تنظيم داعش ، هذا التقرير وغيره الكثير الذي تبهجنا به الصحافة العالمية كل يوم عن زيادة عدد المتعاطفين مع داعش ، والذي أصبح لا نقرؤه أو نشاهده فقط، بل أصبحنا نعيشه حولنا فأصبحنا نجد المتعاطفيين مع داعش يتحدثون بكل جرأة حول الأمر مما يجعلنا نسأل أنفسنا (هل داعش تنظيم إرهابي أم أنها دولة تحت التأسيس في الشام والعراق وقد تزداد اتساعًا؟!)
لو نجحت داعش في تأسيس دولة فهذا سيشعل فتيل طموحات كل الجماعات ذات الأفكار الشبيهة لإنشاء دولهم الخاصة على نفس الغرار، وهذا لا علاقة له بدين محدد.
لو فشلت داعش في تأسيس دولة فهذا سيجعل الموقف أكثر صعوبة ، فوقتها لا نعرف شكل التطور الجديد الذي ستأخذه هذه الجماعات للحصول على ما تريد ، وكما رأينا في التاريخ هذه الجماعات لا تنتهي ولا أعتقد أنها ستنتهي لكنها تتطور وتأخذ أشكالا جديدة أكثر بلورةً وملاءمة للزمان والمكان، ولا أحد يدعي أنه يعرف إلى أين يمكن أن يصل هذا التطور، فداعش التي نتحدث عنها هذه دولة معلنة منذ اربع سنوات كاملة ، وكل الدول والمنظمات والهيئات على مستوى العالم تحاربها جوًا وبرًا وبحرًا بالسلاح ، وتحاربها فكريًا وإعلاميًا ، كل هذا ولم تخسر داعش شبرًا من مساحتها منذ أعلنت تأسيسها ، بل زاد عدد المنتمين إليها وزادت رقعة الأرض التي تسيطر عليها.
وهنا يأتي سؤال هل زاد عدد الراغبين في التطرف في العالم؟! أم أن داعش التي يحاولون إيصال شكلها إلينا ليست داعش الحقيقية؟!
ومهما كانت الإجابة فهذا لا يبعدنا عن حقيقة أنالمشكلة ليست في داعش ذاتها، وأن داعش كل يوم تزداد كبرًا واتساعًا وإقناعًا وبقاءً واستقرارًا وصلابة.
هل سنسلم داعش أراضينا بهذه البساطة؟
الحقيقة أن السؤال جاء متأخرًا بعض الشيء، فقد قمنا بتسليم ليس أراضينا بل وشعوبنا لداعش ببساطة لم تتخيلها داعش نفسها، فها نحن نعيد قراءة وكتابة تاريخ فلسطين مرة أخرى، فلسطين النجمة العالمية لنشرات الأخبار منذ ابتدعت نشرات الأخبار التي نحاول خداع أنفسنا دائمًا بادعاء أن الجيوش المهزومة والخيانة في 48 هو ما أضاعها في الوقت الذي نحاول أن نتناسى أن الإعلام الأحمق هو من سلمها، كما يسلمنا لداعش الآن، فقد وجد الإعلامفي مذبحة دير ياسين مادة خصبة للنواح والعويل على ما حدث، لتبث صوت العرب أكبر إذاعة عربية في حينها والوحيدة التي كانت تصل من الخليج للمحيط فظائع العصابات الصهيونية وتتحث عن بقر البطون وقطع الأطراف والطرق المبتدعة في تعذيب وقتل أهالي دير ياسين، ليصل البث للفلسطينيين في كل مدينة وقرية وناحية مصورًا أن وحوشًا أسطورية في طريقهم إليهم ، فما كان من شعب فلسطين إلا أن يتصرف كأي إنسان طبيعي يعرف أن ما يشبه طوفان نوح في الطريق إليه ، فهرب كل شعب فلسطين تاركين مدنهم وقراهم ، يدخل الصهاينة ويحصلون على كل شيء دون أي مقاومة تذكر، لم يجدوا أحدًا يدافع عن مدينته أو قريته.
وها نحن نعيد كتابة نفس موضوع التعبير بعد عقود، فهاهي وحوش داعش الأسطورية تحرق الرجال أحياء وتنحر الناس من رقابهم بسكاكين ، ويقتلون الناس بالجماعات ويدفنونهم في مقابل جماعية دون تمييز، وها هم يبيدون قومًا بكاملهم ممن يدين باليزيدية ، ولا يترك الإعلام يومًا لا يقتل بداخلنا أي رغبة أو بمعنى أصح أي قدرة على الوقوف في وجه داعش، داعش وحوش فتاكة ليس هناك أي أمل في أن يقف بشري عادي في وجهها، هذا ما نجح الإعلام في إيصاله إلينا ، السبق الصحفي وزيادة نسبة المبيعات والمشاهدة أصبح أهم من مصلحة بلد هم بغبائهم يسلمونها لأعدائها
لحظة: ما الفرق بين داعش وإسرائيل والسعودية من حيث النشأة؟!
لماذا داعش تنظيم إرهابي ، وإسرائيل واحدة من أقوى الدول عسكريًا في العالم يهاب العالم جانبها والسعودية واحدة من أغنى دول العالم تخلع لها أقوى دول العالم القبعة؟! مع أن ما نراه الآن هو فيلم وثائقي حي ومباشر لنشأة دول كإسرائيل والسعودية
مجموعة من الأشخاص، لديهم فكر يجمعهم (في كل مرة أطلق عليه فكرًا متطرفًا كالوهابية في السعودية والصهيونية في فلسطين) ، يتحون معًا ، ينزلون في أرض يحتلونها ويتوسعون فيها، ينكر العالم وجودهم في البداية ، وتحاربهم الدول التي لديها مصالح في الأراضي التي أسسوا عليها دولتهم، تفشل محاولات إرجاعهم ، يصبحون أمرًا واقعا، يعترف العالم بوجودهم برغبته أو بالأمر الواقع ، وبهذا نجد أن داعش قد تخطه نصف المسافة وأكثر ، وفي طريقها لإتمام دولتها ، ونحن جميعًا نساعدها.
ما الأزمة وراء داعش؟!
ليس من المهم أن نعرف من صنع داعش ، وليس من المهم من هم قادة داعش واغتيالهم أم لا ، وليس من المهم هدف داعش ، المصيبة هي ما الذي يدفع مواطن لكره بلده لدرجة أنه ينضم لدولة أخرى تنشأ على أرضه، ما الذي أوصل المواطن البسيط لدرجة أن ينضم أو يفكر في الإنضمام أو حتى لا يصبح موضوع وجود داعش على أرضه أمرا ليس مرفوضًا ولا يدفعهلحمل السلاح في وجهها، ويكون مخطئا من تخيل أن من سيأتيه من داعش سيكون شخصًا مرتديًا الزي الأفغاني ويتكلم العربي بلكنة أوردوا، فالداعشي الذي سيأتيك ستجده ابن بلدك 100% ، داعش ليست القاعدة، داعش في العراق عراقيون ، وفي سوريا سوريون ، وفي ليبيا ليبيون ، مع شكي الكبير في وجود دواعش في ليبيا أو مصر أو أي مكان خارج الشام ، فداعش هم مجموعة من الشوام السنة قرروا الوقوف أمام الشوام الشيعة من خلال تأسيس دولة خاصة بهم ، لكن ما يقال عن داعش ليبيا أومصر ، فهذا تمامًا كأن يفتح شخص مشروع مقهى في مكان ينجح بشدة ، فنفاجأ بـ 5 و6 قهاوي فتحوا في نفس المنطقة ، وهذا ما حدث الكل يحاول الحصول على جزءمن نجاح الأم.
ما أريد قوله في النهاية أن المشكلة لم ولن تكون لا في القاعدة أو داعش أو الإخوان أو غيرهم ، المشكلة في الحكومات العربية التي لم توصل شعوبها لدرجة كرههم، بل أوصلتهم لكره وطنهم ذاته.
المشكلة أننا لا نمتلكفكرًا ، أو أي شيء يحمس الشباب والشعب للالتفاف حوله لم يعد لدينا أفكار أسست دول كالناصرية في مصر والبعثية في العراق وسوريا، والكشافة في اليمن، لم يعد لدى الدول العربية أي أفكار يلتف حولها شبابهم ، لكن والحق يقال فلدى هذه الجماعات الفكر بل والمنهج والاستراتيجية للوصول لعقول الشباب واقناعهم وانضمامها لهم ويسعون خلف تحقيق هذا الحلمونحن ماذا لدينا؟! ولا أي شيء حتى تعريفنا للإرهاب خاطىء فالإرهاب ليس قيام أفراد بعمل مشين الإرهاب في الأساس فكرة ، تحقيقها يقوم على استخدام آليات ترهب الناس ، فلو أردنا محاربة الإرهاب فلنحاربه بالفكر،ابتدع فكرة جديدة يذهب الناس خلفها، فتجفيف منابع الإرهاب يبدأ بتجفيفها داخل عقول الناس ، بناء حاجز فكري بين الناس وأفكار الإرهاب.