سنة 1987 نشر ضابط المخابرات البريطانى “بيتر رايت” كتاب اسمه “صائد الجواسيس”، بيحكى فيه عن تجاربه فى عالم الجاسوسية وبيسرد تفاصيل قصص المفروض أنها حصلت وبالتبعية المفروض برده ميكشفش عنها لأنها تمس أسرار جهازه وأمن وطنه القومى ..
ولأن مفيش كتاب أو مقال يمس جهاز مخابرات محترم بيتنشر فى أى مكان فى العالم بدون علم الجهاز وموافقته فكان من البديهى إن جهاز المخابرات البريطانى موافق على نشر الكتاب ..
نشر الكتب اللى من النوع ده بيكون لأهداف مخابراتية صرف .. مش لتسلية القارئ .. يعنى مثلا جهاز حابب يفضح جهاز تانى ويذله، أو الضغط سياسيا على دول بعينها، أو ترسيخ صورة ذهنية عن قوة الجهاز لدى شعوب العالم وحكوماته وهكذا ..
وعشان ده يحصل لابد من حملة إعلامية ضخمة تصاحب نشر الكتاب لتحقيق هدف تكتيكي وهو المبيعات العالية وبالتالى تكون كل الناس قرأته وهدف استراتيجي وهو ضمان تحقيق المراد المخابراتى أو السياسى من نشر الكتاب ..
الحملة الإعلانية هنا مش بتكون بنشر إعلانات تليفزيونية أو فى الجرائد والشوارع وإنما بتكون حملة إجرائية، فمثلا بمجرد نشر كتاب “صائد الجواسيس”، أمرت “مارجريت تاتشر” رئيسة وزراء بريطانيا وقتها بمنع نشر الكتاب فى إنجلترا، وهو القرار اللى يخليك انت كقارئ عربى ممكن متكنش مهتم بالموضوع تجرى تشترى الكتاب علشان تعرف منعت نشره ليه، فما بالك بالمواطن الإنجليزى نفسه أو المواطن الأوروبى بشكل عام ..
وفعلا حقق الكتاب انتشار تاريخي في العالم كله، وحتى داخل لندن نفسها، لأنك كنت تقدر تطلبه من اى دولة فى العالم بالبريد، وطبعا مارجريت تاتشر كانت تعرف موضوع البريد، لكن كان الهدف من قرارها ترويجى بحت ..
القصة دى بتتكرر دلوقتى بنفس المضمون المخابراتى، لكن بشكل تانى وهو أزمة الطائرة الروسية اللى وقعت فى مصر ..
بريطانيا وأمريكا وفرنسا وإسرائيل مضايقهم التقارب المصرى الروسى، خصوصا لما أثر على مصالحهم فى سوريا والشرق الأوسط بالكامل، فكان من الطبيعى إن أجهزة المخابرات فى الدول تكثف جهودها لتفتيت التقارب والتواجد ده، ورغم إن بوتين والسيسى وكاميرون وحضرتك وحضرتك نعرف الكلام ده كويس، إلا إننا كلنا مرتبطين برأى عام داخلى خارجى، يعنى مثلا لما طائرة روسية تسقط على أرض مصرية ويموت ركابها اللى هما مواطنين روس لازم الرئيس الروسى ياخد إجراء يرضى شعبه، حتى ولو كان مجرد إجراء وقائى مثل منع الرحلات إلى مصر مهما كانت علاقاتنا الدبلوماسية والسياسية كويسه، واللى هو برده مش معناه إن مصر وروسيا علاقتهم انتهت، لكن ده مجرد رد فعل سياسى لفعل كارثى ..
هل ده معناه إن الطائرة وقعت بفعل فاعل ؟ .. محدش لسه يعرف .. لكن أنا بكلمك هنا عن الهالة الإعلامية المصاحبة للأزمة واللى بتحاول الدول دى تحديدا تستغلها لضرب العلاقات المصرية الروسية ..
وهى الصحف الغربية هتكذب ؟ .. طبعا .. أى وسيلة إعلامية مهما بلغت مهنيتها بتيجى عند الأمن القومى لبلدها وتقول حاضر .. إلا إذا كان الأمر متعلق بفساد داخلى من شأنه الإضرار بمصالح المواطنين ..
والسبب بسيط .. صحف الدول دى بتقول إن أمناء الشرطة فى مطار شرم الشيخ لو قبضتهم 15 دولار يعدوك بدون تفتيش، ودى حاجه أنا نفسى أصدقها، لكن ده جزم بإن فى حقيبة عدت بدون تفتيش وهى السبب فى سقوط الطائرة، وبما إنها السبب يعنى كان فيها قنبله .. وهنا سؤال “حضرتك كصحيفه لو شوفتى أمين الشرطة وهو بياخد الرشوة يبقى الحقيبة كانت بتاعتك أو بتاعة حد انتى تعرفيه”، “لو انتى عرفتى ان الطائرة سقطت بفعل انفجار قنبلة تبقى حليتى لغز روسيا نفسها لسه محلتوش ولا الصندوق الأسود أثبته”، “ولو مش دى ولا دى تبقى أكيد خدتى تصريحات من الركاب بعد موتهم” ..
الأزمة مخابراتيه بحته ودول بتتخانق مع بعضها، وده معناه إن الدب الروسى والفرعون المصرى مستهدفين، المهم ميضحكش علينا .. ميبقاش موت روس وخراب ديار مصريين ..