كنت في زيارة الي خالتي قبل يومين وبعد السلام والتحية فور دخولي المنزل والتوجة الي الليفينج رووم … وجتها تحول محطة التلفزيون لتستقبل اشارة تلك القناة التى يعمل بها اعلامي “الفيديو جيم” الذي استعان بمقطع من لعبة حربية الكترونية ليبرهن على ضرب القوات الروسية لمواقع داعش في سوريا قبل ايام.
وفوراً بدأت في محاولة –بائسة يائسة مني- في مناقشتها وتوضيح لها ان هذا الرجل لا يحترم جمهوره من الاساس كونه يفتقر الي المهنية في التواصل مع الناس …
وعلى الفور تحولت هي الي وحش مهاجم … وتلقيت انا وابل من الاتهامات بقلة الخبرة وانعدام الرؤية الصحيحة وعدم فهم الواقع والمؤمرات التى تحاك بنا كشعب الي ان وصلنا الي اني غير وطني. كل هذا كوني انتقد مهنية الرجل لا وطنيته والحقيقة ان حدة النقاش انتهت فور تغييرنا الموضوع بالتحويل على قناة للطبخ ولكن بعد ان سألتها سؤال يدور دائماً في ذهني .. ولم اتلق سوى الصمت منها.
قولت لها: خالتي .. انتِ تتهمينني بعدم فهم الواقع (رغم اني صحفي) حتى وصل بي الاتهامات اني خائن للوطنية وانا ابن هذه العائلة وانتم الذين ربيتموني … كيف تتوقعي ان يثق بنا نحن معشر الشباب من لا يعرفوننا ويتولون زمام امور الدولة؟
نظرية المؤامرة تلك التى يتهم بها كل الناس كل الناس في كل وقت وفي كل ساعة وحتى من اقرب الاقربين الحقيقة هي تزيد من ابتساماتي اليومية خصوصاً مع قراءة عناوين الصحف اليومية واخبار مواقع التواصل الاجتماعي اللحظية.
نبرة التخوين والعمالة والمؤامرة على الاقتصاد المصري والوحدة الوطنية والقوة الوطنية والمزيد من العبارات الرنانة التى لا يفهمها جموع من الشعب المصري وللاسف يصدقونها بل ويحسبونها عظيمة وهي عند من يدركون مدى سخافتها هينة ارتفعت منذ ان سقطت الطائرة الروسية في ارض الفيروز “سيناء” وقامت الحكومتين الانجليزية والروسية بمحاولات لاجلاء رعاياهم من مصر بالاضافة الي منع الطيران الي شرم الشيخ خلال الفترة المقبلة وذلك لضمان سلامة مواطنيها رغم الصداقة والعلاقات الدبلوماسية بيننا وبينهم حتى ورئيسنا على ارضهم لا شئ يعلوا فوق سلامة وامن حامل جواز سفر تلك البلدان.
قبل ان اتحدث عن واقع الروس والانجليزي اود ان احكي شيئاً حدث بالفعل … كنت اعمل في احدى الدول العربية لفترة (ايام العهد البائد) وكمواطن مصري يتردد على سفارة بلده لانهاء بعض الاوراق … وفي احدي المرات صدمتني ورقة علقت على حائط السفارة التى هي اشبه بمصلحة الشهر العقاري في اي محافظة في مصر … كتب على تلك الورقة ما معناه ان اي مواطن مصري لديه مشكلة مع كفيله لا يتوجه الي السفارة بل يسارع الي حلها ودياً معه … قد تتهمني فعلاً بعد تلك القصة بالخيانة كوني لا املك دليل مادي على روايتي ولكنها حقيقة.
بالامس كانوا الروس الحلفاء الذين سنستعيد حقبة انتصارات الرئيس السابق جمال عبد الناصر معهم الا ان جاء حادث تلك الطائرة فاصبحوا بين ليلة وضحاها يتآمرون على الدولة المصرية واصبح الدب الروسي بوتين هو رأس الافعى ، فيما لم يسلم ديفيد كاميرون رئيس وزراء انجلترا من كونه يحتضن جماعة الاخوان الارهابية وانه هو شخصياً اخوان مثل باراك حسين اوباما بالضبط.
اغلب القائمين على الاعلام المصري بما فيه من صحافة مقروءه وراديو وتلفزيون وقفوا وقفة رجل واحد ضد ما يسمونه مؤامرة على مصر. وانا اقول ان المؤامرة الحقيقية هي ان تغض الطرف عن مشاكلك مهما كانت صعبة. مصر بها فساد اجتماعي وسياسي واخلاقي استمر لاكثر من 60 عام واعُطي من لا يملك المناصب فيها لمن لا يستحقها فخربت البلاد وضاعت احوال العباد وقامت ثورتين متتاليتين لتصحيح الاوضاع ولكن اي وضع يستحق ان يتصحح … ان تجد السبب الحقيقي لسقوط طائرة على ارضك ام تهرع لاقامة حفلات في شرم.
كم المصورين الصحفيين الذين يهرولون وراء السائحات في شرم الشيخ لالتقاط بعض الصور لهن وهن يرتدين المايوهات على الشواطئ شئ مخزي ويدعوا الي الحزن. هل اصبح حل المشكلة ان نخاطب انفسنا بإثبات ان لدينا سياحة دول محاسبة المخطئ عن تدهور وضع السياحة في بلد حوت ثلث اثار العالم؟!
ان تجد كـ (حكومة) حلول لمحافظات غارفة في الامطار ام تصرح بأن ما يحدث هو كارثة بيئية. ان تجد صحة وتعليم ونظام اجتماعي شامل آمن للعيش يحفظ كرامة المواطن ام تقول نحن ملايين ولا توجد موارد.
حقيقة الامر ان ما يقوم به الاعلام المصري ما هو الا ضحك على الدقون وهروب من المشاكل وعدم القدرة على تسليط الضوء على حلول حقيقة تحترم كون المواطن مواطن بالاضافة الي انها صنفت في رأيي كما اسماها باسم يوسف سياسة ساخرة تصيبنا جميعاً نحن الجمهور الحقيقي بالضحك لدرجة البكاء.