هل توجد دلائل على ثمة تغيير في عقلية وطريقة الإدارة المصرية لكل الأزمات والمشاكل حتى يقول الرئيس لا عودة للوراء؟
—
كانت زيارة مهمة للرئيس عبد الفتاح السيسي، تلك التي قام بها إلى مدينة شرم الشيخ في طريق عودته من الرياض بعد المشاركة في القمة الرابعة للدول العربية واللاتينية التي عقدت في السعودية.
وبعيدا عن أهمية الزيارة وكلام الرئيس على مستوى المجال السياحي الذي تعرض لضربة قوية بعد سقوط الطائرة الروسية والأحاديث عن عمل إرهابي وراء الحادث، فإن أهم ما يلفت الانتباه في كلام الرئيس خلال جولته بشرم الشيخ هي هيتلك الكلمة التي توجه بها إلى رجال الأعمال المصريين والتي أكد فيها أنه لا مساس بأعمال واستثمارات القطاع الخاص، وأن ما يُشاع من أقاويل تخالف ذلك إنما هو أمر عارٍ تماماً عن الصحة، وأكد الرئيس أن القانون هو الإطار الحاكم والمُنظم للجميع وللعلاقة بين الدولة وبين رجال الأعمال، مشددا على عدم قبوله أية إساءة لأحد.
جميل جدا أن نجد الرئيس يؤكد ويشدد على أنه لا يقبل الإساءة إلى أحد، ولكن يصبح هذا الكلام لا مصداقية له حينما يأتي بعد أيام من امتهان كرامة وسمعة أحد أشهر رجال الأعمال المصريين ونجله، وهما قبل أن يكونا من رجال الأعمال فهما مواطنين مصريين تم القبض عليهما ووضع القيود في أيديهما وتصويرهما بشكل فيه إذلال ونشر تلك الصور في الإعلام.
الرئيس يؤكد أنه لا يقبل الإساءة لأحد في حين أن من قام بتلك الإساءة في حق صلاح دياب ونجله هي أجهزة الرئيس الأمنية التي ألقت القبض عليهما بهذا الشكل المبالغ فيه وتوجيه أبلغ الإساءات إليهما حتى قبل إدانتهما ودون حتى أن نعرف حقيقة وسبب القبض والتنكيل بهذا الشكل.
الرئيس يؤكد أن القانون هو الإطار الحاكم والمنظم للجميع وللعلاقة بين الدولة وبين رجال الأعمال، في حين أن ما تم مع دياب ونجله لا يمت للقانون بصلة، والمسألة هنا لا تتعلق بشخص بعينه ولكن من المؤسف أن يتم التنكيل والتشهير بمواطن مصري لمجرد القبض عليه لأي سبب وبأية تهمة وحتى لو أدين فإن الدستور يكفل القصاص منه بشكل يحفظ كرامته وكرامة المجتمع دون تنكيل أو إذلال.
الرئيس يقول إنه لا مساس بأعمال واستثمارات القطاع الخاص وإن ما يقال في هذا الشأن مجرد شائعات، بينما ما حدث مع دياب وولده لا يجعل أي رجل أعمال يصدق هذا الكلام بل يخيف الجميع ويجعلهم غير آمنين على أنفسهم وليس استثماراتهم فقط.
الأكثر من ذلك أن نجد الرئيس دائما يؤكد أنه لا عودة للوراء وأن مصر الجديدة ولدت بعد ثورتي 25 يناير و30 يونيو ولا عودة مطلقا لما قبل الثورتين، بينما ما يحدث في أرض الواقع يؤكد أننا أساسا لم نتحرك خطوة واحدة عن أوضاع ما قبل 25 يناير و30 يونيو، فنحن لا نزال نقف في الوراء الذي يؤكد الرئيس نفسه يوميا أنه لا عودة إليه.
فواقعة دياب وولده وعدم الشفافية فيها من بداية القبض عليهما والتنكيل بهما بهذا الشكل وفضحهما وتقرير حبسهما 15 يوما حتى إخلاء سبيلهما بشكل مفاجيء ودون شرح أيضا ولا تبرير يؤكد أننا لا نزال في الوراء.
وواقعة القبض على الناشط حسام بهجت بسبب موضوع صحفي وإثارة كل هذه الضجة حوله داخليا وخارجيا ثم إخلاء سبيله رغم صدور قرار بحبسه 4 أيام وعدم الشفافية ولا الوضوح حول ما جرى وما يجري في تلك القصة يؤكد أننا لا نزال في مرحلة الوراء بشحمها ولحمها.
واقعة غرق الأسكندرية وغيرها من المحافظات في مياه الأمطار ومقتل عشرات المواطنين وفشل الحكومة الذريع في التعامل مع الأمر والاكتفاء بإجراءات روتينية لا تغني ولا تثمن من جوع ثم عدم محاسبة كل من كانوا سببا في وصول الأوضاع إلى هذا الشكل الكارثي، فهذا كله يؤكد أننا تراجعنا عن مرحلة الوراء بمراحل.
واقعة استثناء أبناء الكبار في تنسيق الجامعات والضجة التي أثيرت حوله ومروها بهذا الشكل دون محاسبة الوزير السابق للتعليم العالي الذي فعل ذلك وأساء للشعب كله قبل أن يسيء للنظام، تؤكد أننا لا نزال في الوراء وأن الوزير لم يفعل ذلك من تلقاء نفسه.
وقائع التلبس اليومية بانتهاك الخصوصيات والخوض في الأعراض على الفضائيات وبدلا من محاسبة من يفعلون ذلك نجدهم مقربون من السلطة ويتحدثون باسم الرئيس، بل حينما تغضب السلطة يكون غضبها ممن يمارسون الانتقاد بمهنية، فهل يعني ذلك أننا تقدمنا إلى الأمام؟
فضلا عن قيام الرئيس يوميا بالتدخل للقيام بدور الوزراء ورئيس الحكومة بل ورؤساء المجالس المحلية يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أننا لم نتحرك من الوراء بل قد يكون تحركنا للخلف وليس للأمام، فليست هناك أية دلائل على تغير عقلية الإدارة في أي شيء حتى نقول إن مصر أصبحت جديدة ولن تعود لمصر القديمة.