كتب رجل الأعمال صلاح دياب، مؤسس جريدة “المصرى اليوم” مقالا فى عدد اليوم السبت من الصحيفة تحت عنوان “اختبار”، تعرض فيه لساعات محنته هو وابنه توفيق بعد إلقاء القبض عليهما، وفى المقال تحدث دياب عن مواقفه السياسية الداعمة للرئيس السيسى وثقة الرئيس فيه باعتباره من رجال الأعمال الوطنيين.
خرجت من اختبار الأيام المحدودة الذى فاجأنى حامداً وشاكراً.
اختبرت جوانحى فوجدتها مازالت محافظة على قوتها، مؤمنة بما يجب أن يكون فى صالح بلادى. وخبرت قلبى فوجدته مازال ينبض رغم عمليتين جراحيتين، آخرهما أجراها لى فى أسوان العالم الإنسان الجراح مجدى يعقوب.
فقدت كيلوجرامين من وزنى فى الأيام الأربعة، أقنعت نفسى أن جسمى لم يكن فى حاجة إليها، وأنها ربما كانت نتيجة مفيدة لصحتى. ولا يعنى هذا أننى كنت فى نزهة، ففقدان الحرية، حتى لو كانت لأيام محدودة، يغنى عن الشرح والإسهاب. لكن ما هو الخير الذى خلص لى من هذا الشر؟ وما وجوه النعمة التى لاحت فى عتمة النقمة؟
لقد أحسست لحظة تكبيل يدى بالأصفاد كأنى فقدت كرامتى. وأن ما واجهته فى حياتى من أعداء كان أهون كثيراً من هذا القيد يدمى معصمى.
عانيت فى هذه اللحظة مشاعر هددتنى بالانهيار. وإذا بصوت خفى يناجينى من أعماق نفسى: أيتها النفس الأمارة بالسوء. متى كانت الكرامة البشرية أصفاداً توضع أو أصفاداً تنزع. إنك لأقرب إلى الله وأكرم عنده فى أصفاد المحنة هذه منك فى مظاهر الفخار. وليس فى وسع كائن أن يغض من كرامتك. وإن كان فى وسعه أن يغض من حركة يديك. وقد أسبغ عليك أهلك وناسك عطفا وإشفاقا أكبر مما تستحقه ولم تنله من قبل. لحظتها انشرحت.
تذكرت أننى سبق أن واجهت الحبس كثيراً فى زنزانة الفنية العسكرية. عندما كنت طالباً عصياً خارجاً عن النظام فيها. أما مبلغ احترام القوم لشكوى الحبس فما أحب إيذاء القارئ بالخوض فيها.
لست زعيماً ولن أكون، كما أننى لست محترف سياسة ولن أكون، ولكننى مواطن واجهت الفشل والنجاح خلال مشوارى الذى لم أعرف فيه سوى العمل فى مجالات متعددة ومختلفة، بعضها فشل وخسر ولم يره غيرى، ومشروعات أخرى نجحت ورآها الناس ولم يعرفوا غيرها، بكل ما يثيره ذلك بحكم طبائع البشر، وهو ما جعلنى أؤمن بأن المعاناة فى سبيل المصاعب أمر ضرورى حتى لا يهون النجاح على من حققه.
إن أولادى فى حياتهم استمتعوا بكثير من الآمال، ويبدو أنه أصبح عليهم تجربة الآلام. طالت مهادنة الزمان، فلابد من أمر يقع. لابد من أمر عنيف يرج البيت رجا ويطفر بأبنائى إلى يقظة الراشدين. لابد لهذه العيون البريئة أن تذرف الدموع. ولهذه النفوس الوادعة أن تتجرع الألم. أبوهم فى الحبس وكذلك أخوهم الكبير. بنفس التهمة فى مكانين مفترقين. إذن يجب أن يتماسكوا إرضاءً لأبيهم نزيل السجون.
توفى فى اليومين الأخيرين خالى عصام التهامى فى منزله، وهيثم دياب الذى فى منزلة ابنى وهو فى الثلاثين من عمره. وقد كنت أرجو أن أزورهما فى بيتيهما فزرتهما فى قبريهما.
أما عن الرئيس السيسى. فإننى أقدر هذا الرجل. أحبه مثل ملايين المصريين المخلصين الذين خرجوا يوم أطلق نفير الاستنهاض الذى جعلنا ننتفض جميعا من أجل الوطن، ويوم ذهبنا نعطيه أصواتنا بحب وصدق، ويوم- ومازال- تحمل عبء وأثقال حكمنا. كرمنى الرئيس لثقته فى رجال الأعمال، وثقته فى ما أحمله له من مشاعر. هل حدث ما كدر صفو العلاقة.. كلام صدر منى.. يجوز.. ولكن حسن النية مؤكد. رأى يخالف رأيه.. وارد.. ولكنه لو حدث فى إطار الرأى يضيف ولا ينتقص. قد يخالف فى حدود رؤيتى ولكن لا يختلف، فليس فى مصر رجل وطنى يختلف مع السيسى فى المقاصد. وإذا خالفه فى بعض الوسائل فإن الهدف يظل واحدا يجمع الجميع، وهو مصلحة الوطن.
■ ■ ■
والآن أختم هذه الكلمات، حائراً كيف أعرب عن شكرى، وكيف أوفى أصدقائى وأهلى الذين أبدوا نحوى من الإشفاق والعطف ما لن أنساه ما دمت حياً.