ربما إحتاج الامر وقتاً لابأس به لأتمكن من التعرف علي شعار تلك القناة التليفزيونية التي أمامي .. و إحتاج وقتاً أطول – و ربما بعض الأسئلة للمقربين لأعرف أن إسم القاهرة الموجود أعلي الشاشة إنما يشير إلي القناة الثالثة سابقاً بالتلفزيون المصري ..!
كان عنوان الفيديو الذي نشره أحد الأصدقاء علي صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي الشهير هو ما جذبني في البداية.. في الغالب لا يعبر العنوان عن المحتوي في تلك النوعية من الفيديوهات.. فقد تجد عنواناً رناناً مثل شاهد فضيحة فلان أو تصريحات نارية لأخر.. ثم تكتشف أن الفيديو قد تم صنعه من مجموعة من المشاهد المسرحية التي يتخللها بعض التصريحات لهذا الشخص.. إنها حيلة فقط ليجعلك ترفع عدد المشاهدات لفيديو بعينه أو لقناة بعينها.. لقد باتت “قديمة” فلم تعد تنطلي علي بسهولة..
لكن هذه المرة كان الامر مختلفا..فالعنوان يشير إلي أن إحدي مذيعات التلفزيون المصري توجه رسالة قاسية للرئيس!
أعترف أنني مقل في مشاهدة التلفاز من الاساس.. و أزيد الإعتراف أنه إذا سنحت الفرصة لي لمشاهدة قناة تلفزيونية ما.. فلن تكون إحدي قنوات ماسبيرو بكل تأكيد!.. فقد فقد مصداقيته الخبرية بالنسبة لي منذ ذلك اليوم الذي شاهدت فيه كوبري أكتوبر الهادئ الذي يحلق الطير فوقه في سلام …بينما يشتعل ميدان التحرير بالثورة!! .. إنها سقطة مهنية لا يمحوها التاريخ .. بالنسبة لي علي الاقل!
الطريف هذه المرة كانت في المحتوي الذي شاهدته.. فربما كانت هي المرة الاولي التي أري فيها إحدي مذيعات ماسبيرو – والتي بالمناسبة لا أعرفها من قبل- و هي تتحدث بحرية و صدق و مهنية تحسد عليها.. بل و بغضب هادئ ضد النظام بأكمله.. بدئا من رؤساء الاحياء و حتي رئيس الجمهورية ..
لقد كان نقداً منطقياً مرتباً لا يحتوي أي تجاوز من أي نوع… إنه ذلك النوع من النقد الذي تحب أن تستمع اليه.. فهو يجعلك تهدأ من داخلك لأن احدهم قد صرح بما يعتمل في نفسك..!
المشكلة انني قرأت بعدها ان قراراً قد صدر بإيقاف تلك المذيعة عن العمل و تحويلها للتحقيق داخل المبني العريق .. لم أعرف التهمة تحديداً.. و لكنني لا احتاج لذكاء خارق كي أعرف!
لقد إنزعج السيد رئيس التلفزيون علي ما يبدو ان يمتلك مذيعاً مهنياً أو حتي يملك رأياً يعبر عنه في اطار اعلامي محترم!.. فقرر أن يقضي علي تلك الظاهرة خوفاً من أن تتفشي في ماسبيرو!.. و المضحك أن القرار قد صدر بعد أيام عدة من انتشار الفيديو الخاص بهذه الواقعة علي مواقع التواصل الاجتماعي.. و كأنه قد فوجئ بأن هناك من يشاهد قنواته التي يرأسها..مما يدفع البعض أن يسأل سيادته عن السبب الحقيقي للتحقيق.. هل لأنها فعلت؟ أم لأننا عرفنا أنها فعلت؟!
لقد قرر رئيس التلفزيون الحكومي للدولة أن يصبح هو الحكم علي ما يقدمه من محتوي.. و قرر أن يتخذ إتجاهاً واحداً بلا رجعة.. فالتلفزيون الذي ينفق عليه “دافعي الضرائب” قد أصبح صوتاً “لجامعي الضرائب” .. بدلاً من أن يصبح صوتاً للدولة و مواطنيها.. !
لا أعتقد أن سيادة الرئيس قد شاهد تلك المذيعة و هي تنتقده .. و لا أعتقد أيضا أنه قد غضب حتي حين سمع بما قالته.. و بالتأكيد لم يأمر رئيس التلفزيون بإيقافها عن العمل.. إنما هو إجتهاد من المرؤوس لينال رضا من يرأسه.. أعرف هذا النوع من الإجتهادات جيداً.. كما أعرف جيداً من يقومون به.. و لكنني – للأسف- لن أستطيع التعبير عن رأيي فيهم عبر هذه السطور..
فقط أتمني ان يدرك رؤساؤه أن ما يفعله يسئ إليهم كثيراً.. وإستمرار مثل هذه الاجراءات ربما يزيد من حالة التدهور التي يعاني منها جهاز الدولة الاعلامي..!
لم تخطئ المذيعة “المحترمة” أنها مارست عملها و أبرزت سلبيات في أداء موظفي الدولة المكلفين بتوفير حياة افضل لمواطنيها!..أو الحكومة كما يطلقون عليهم .. و لكن يبدو أننا من أخطأنا في حقها…حين شاهدنا تلفزيون الدولة!