ظللت أراقب ردود الأفعال حول قصة رجل الأعمال صلاح دياب ونجله توفيق منذ لحظة القبض عليهما وحتى إخلاء سبيلهما لعلي أرصد أي تعليق من التعليقات يكشف بعض جوانب الحقيقة التي تخفيها عنا الدولة في هذه القضية ولكن كل التعليقات لم تبدو مقنعة أو مقتربة من إطار الحقيقة مطلقا لو أعملنا المنطق العقلي.
فالجميع تحدث في البداية عن أن القبض بسبب قضية الأموال العامة التي أعلنت عنها النيابة العامة في بيان رسمي قبل عملية القبض بيومين، ولكن هذا سبب غير منطقي مطلقا لأن القائمة التي أعلنتها النيابة من رجال الأعمال المتحفظ على أموالهم ضمت 17 رجل أعمال آخرين مع دياب ولم يكن فيها نجله، ومن ثم فالقبض عليه دون غيره بسبب هذه القضية لا يستقيم أبدا فضلا عن أن ضبط نجله معه يقضي على هذا السبب تماما.
أما القول بأن سبب الضبط هو حيازة دياب لسلاح دون ترخيص في منزله فهو سبب أصغر من أن يقتنع به طفل صغير، لأن هذه قضية تنتهي في ساعة واحدة فضلا عن أن حيازة الأب لسلاح دون ترخيص لا تبرر القبض على نجله في نفس التوقيت واللحظة ومن منزلين مختلفين.
والكلام عن كون الهدف هو الضغط على الإعلام أو تخويفه يدحضه أن صحف كثيرة ووسائل إعلام أخرى بها مقالات أو برامج توجه نقدا لاذعا للسلطة والرئيس وأصحاب هذه الوسائل الإعلامية أو ملاكها أيضا تثور حولهم الشبهات فلماذا تم اختيار دياب على وجه التحديد؟ ولماذا هذه القسوة بل ومخالفة القانون في التشهير به ونشر صوره ونجله وهما مقيدين بالكلابشات؟
كل هذا جعلني أتيقن من أن الرسالة والهدف أعمق وأكبر وقد تكون الرسالة لأطراف أخرى أكبر.
وما جعلني أفكر في أن سبب القبض ورسالته قد تكون ليست كما توقع الجميع هو أن جاء في ظل الأزمة بين مصر وبريطانيا وتداعيات حادث الطائرة الروسية، وعقب عودة الرئيس مباشرة من لندن.
هذا دفعني للبحث من هذا المنطلق عن أسباب أخرى بخلاف المنتشرة قد تكون هي الأسباب الحقيقية للقبض وتفسر القسوة التي ظهرت عليها عملية القبض.
وخلال عملية البحث عن سبب منطقي لهذه القصة تذكرت أن الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل في حواره الأخير مع الإعلامية لميس الحديدي ألمح إلى قيام أحد رجال الأعمال بالحديث بشكل مسيء عن مصر مع مسئولين أجانب وعلى وجه التحديد مع رئيس وزراء بريطانيا.
ولم يلتفت أحد لهذا التصريح الخطير الذي وصفه هيكل وقتها بالخيانة وأن كثيرون يفعلون مثله دون أن تنتبه إليه السلطة المصرية ودون أن يعتبره أحد خيانة.
وبالفعل عدت لهذا الحوار للاستماع إلى تلك الجزئية بالتفصيل والتي كان يتحدث فيها هيكل عن العوامل التي تحكم السلطة حاليا في إعلان انحيازاتها الطبقية حيث قال نصا:” كل حكم معرض لضغوط، وهذه الضغوط لها امتدادات في الخارج، كل طرف في مصر بشكل ما وبطريقة ما له جهة يهمس فيها، ولم تعد خيانة مثل الماضي، ولم تعد خيانة أن نرى أحد من رجال الأعمال يتحدث مع ديفيد كاميرون بطلاقة ويقول كلام في بعض الأحيان أنا أعتقد أنه مسيء، لكن أنتِ كسلطة فرأس المال يحتاج للحديث معه وتحتاجي تتصرفي وتحافظي عليه وتمنعيه أن يخطيء”.
ووفقا لكلام هيكل وبالقياس على الظروف المحيطة بعملية القبض على دياب ونجله وفي ظل التكتم غير المبرر من جانب الدولة فإن هذا قد يكون السبب الأقرب لعملية الضبط، وقد يكون الرئيس في زيارته الأخيرة للندن تأكد مما صرح به هيكل عن قيام رجل أعمال بالحديث مع كاميرون بصورة مسيئة عن مصر.
ويعزز هذا الاحتمال بشدة ما كتبه صلاح دياب نفسه في صحيفته “المصري اليوم” حيث أنه في نهاية مقاله بالمرارة عن تلك القصة ختمه ملمحا للسبب الحقيقي لعملية القبض دون أن يشرح ويسرد التفاصيل واكتفى بقوله: “كرمني الرئيس لثقته في رجال الأعمال وثقتي فيما أحمله له من مشاعر، هل حدث ما كدر صفو العلاقة _ كلام صدر منى _ يجوز _ ولكن لو حدث في إطار الرأي يضيف ولا ينتقص.. قد يخالف فى حدود رؤيتي ولكن لا يختلف، فليس في مصر رجل وطني يختلف مع السيسي فى المقاصد، وإذا خالفه في بعض الوسائل فإن الهدف يظل واحدا يجمع الجميع وهو مصلحة الوطن”.