نقلًا عن مجلة 7 أيام
يكاد صديقي الذي يعمل في بازارات شرم الشيخ ينتحر من فرط الدهشة، يقسم لي أن الإقبال يتضاءل والأوردرات تنعدم، لم يعد هناك الكم الكاف من السائحين حتى يطلبوا مقتنيات تذكرهم بمصر والفراعنة عندما يعودون لبلادهم، يسألني لماذا تكتب بعض صحف القاهرة أن حجم الإشغالات في شرم الشيخ لازال في حدود المعقول بل بالغ أحد المواقع وقال أن 75 % من غرف الفنادق محجوزة رغم هجرة السائحين الروس والإنجليز بسبب الحملة المضادة للمدينة .
يقول صديقي أنهم لن يستفيدوا شيئا من أصحاب النوايا الطيبة الذين جاءوا من مدينة الإنتاج الإعلامي إلى شرم الشيخ أفواجا فور التأكد من النية المبيتة لحصار المدينة واتهام مطارها بأنه لا يراعي الإشتراطات الأمنية العالمية، هؤلاء الذين جاءوا وتجولوا وصوروا لقاءات طالما لن ينفقوا بالدولار فإن ذلك لن يفيد المدينة السياحية في شئ، ليس هذا فحسب، هؤلاء غادروا جميعا بعد أسبوع على الأكثر فلم يتم نقل مدينة الإنتاج الإعلامي لشرم الشيخ للأبد، ورسالتهم وصلت للداخل، الأمن في شرم الشيخ مستتب، لكن من وصلت لهم تلك الرسالة من السائحين الذين فروا ولن يعودوا في المستقبل القريب.
دهشة صديقي يمكن إرجاعها لظاهرة مصرية خالصة أسميها أنا ” المريض العنيد” الذي كلما تدهورت صحته لا يسعى لمعرفة هل السبب سوء عاداته الغذائية والصحية أم أن هناك من يحاول الحاق الضرر به، فقط يهرع إلى المرأة ويقف أمامها مكلما نفسه ناطقا بجملة واحدة ” أنا مش عيان أنا زي الفل” .
لا يسمع “المريض العنيد” إلا نفسه، ولا يضحك إلا على أقاربه الذين يحاولون مساعدته ويفكرون في الدواء الناجع الذي يخرج ينقذه من الإحتضار لكنه يرفض كل الأدوية ويكتفى بالمسكنات.
مع كل أزمة جديدة تصر الدولة المصرية والمسئولون عن السياحة والزراعة والصناعة وأي مجال أخر على تقمص شخصية “المريض العنيد” الذي يرفض تناول الدواء.
دواء الأزمة في “شرم الشيخ” هو انتاج رسائل دعائية تصل للأجانب لا للمصريين الذين لا يفضل معظمهم المدينة كمقصد سياحي أصلا لأسباب لا مجال لذكرها الآن، الدواء يكمن في أن تتحدد كل القنوات التي ارسلت برامجها ومراسليها إلى هناك لانتاج إعلانات ترويجية تبث على القنوات الأجنبية، لو أن كل قناة وفرت ميزانية الإنتقال لشرم الشيخ وتم تجميعها في صندوق لدعم المدينة إعلاميا في الخارج بالتأكيد لم يكن صديقي ومن معه من العاملين في شرم الشيخ سيصابون بالذهول والكل تسابق على الذهاب للمدينة السياحية ويتركون الإسكندرية والبحيرة بدون مراسلين وكاميرات رغم أنها الأولى حاليا باهتمام الإعلام المحلي.
مجموعة من الأخبار الملفقة في صحف عالمية مثل “ديلي ميل” هزت الأرض تحت أقدام العاملين في شرم الشيخ، فيكون ردنا عليها بأخبار محلية تزيف معدلات الإقبال على المدينة، ولا تصارح الناس بأن الطائرات التي تهبط في مطار شرم الشيخ معظمها فارغة جاءت لتحمل ركابا إلى مدنهم، أي تسحب المقيمين في المدينة ولا تمنحنا بدلا منهم سياحا جدد، فيما تنشغل الشاشات المصرية بخبر زواج سائحان في شرم الشيخ أو تصريحات من سيدة إنجليزية مقيمة منذ فترة تؤكد شعورها بالأمان، يا أعزائي أي أجنبي مقيم في مصر بصفة دائمة يعرف الواقع أكثر منا ويعرف أن الوضع آمن بدرجة كبيرة، لكن صوته طالما لم يصل لبني جلدته هناك لا فائدة من أن يصل لنا هنا .
للمرة المليون ويبدو أننا سنكررها للمرة المليار، نريد أن نفهم لماذا يصر القائمون على الأمور في بلدنا على خطط ثبت غباء قواعدها وعدم جدوى تنفيذها وأنها موجهة لمن يعرف الرسالة أصلا، ومتى يكون لمصر أذرع إعلامية بالخارج تدافع عنها في تلك الأزمات التي يبدو أنها ستكرر في وقت لم تعد الدول بحاجة لتدخل عسكري من أن أجل تسيطر عليك وتؤذيك اقتصاديا، خبر على جريدة مثل “الديلي ميل” لا يزيد عن 300 كلمة قادر على تحقيق التأثير نفسه بينما لاتزال صحفنا المصرية مهتمة بأخبار “شاهد قبل الحذف” و”مذيعة تطرد ضيفا على الهواء” وغيرها من الأخبار التي يقبل عليها بشغف “المريض العنيد” .