بـ تنزل التترات على القطر، وهو داخل محطة مصر، وبـ يخرج منه شاب واضح إنه ريفي، لسه واصل المحروسة، كل تفاصيله بـ تقول كده من غير ولا كلمة: شنطته، هدومه، تسريحته، مشيته، كل حاجة.
بـ يخلص التتر نروح المستشفى، نشوف الممرضة عفاف وهي مخلصة الشيفت، ونعرف من حوارها مع زميلتها إنها رايحة تجيب ابنها من المدرسة.
اللقاء الأول بين عفاف وشحاتة (واحنا لسه ما نعرفش هو مين) بـ يحطك في قلب المأساة مباشرة، مشهد مصري صميم، من المشاهد اللي مدة صلاحيتها طويلة جدا لـ الأسف، ينفع نشوفه سنة 1982، ونشوفه سنة 1992، ونشوفه 2002، و2012، ويبدو إننا هـ نفضل نشوفه حبة حلوين قدام.
المواطن والمواطنة في حالة نزاع، النزاع مفروض عليهم، كل واحد عايز “يوصل” لـ هدفه، ووسيلة “الوصول” أو المواصلات (التاكسي) واحدة، ولو راحت هـ يبقى من الصعب تعويضها، من هنا بـ تبدأ أخلاق الزحام.
عفاف بـ تشرح لـ شحاتة ظروفها، وبـ تسأله: إذا كان يقبلها على نفسه إنه يسيبها في ظروفها، وياخد هو التاكسي؟ فـ تكون الإجابة: “آه أقبلها”.
في النزاع الحاصل بين المواطن والمواطنة، فيه طرفين كمان: سواق التاكسي، وشخص غامض، مش بـ ناخد بالنا منه غير في آخر المشهد، وبـ نعرف هو مين.
بـ النسبة لـ السواق، فـ هو كفران، ده رابع نزاع على التاكسي، وهو زهق، فـ السواق قرر يعمل إيه: اللي هـ يركب المدعوقة دي، هـ يوصله، أعتقد إن هو ده اللي بـ تعمله الحكومات المصرية المتعاقبة، تسيب الناس تاكل في بعضيها، واللي يغلب يركب “لا مؤاخذة في التعبير”.
في وسط النزاع اللي بين المواطن والمواطنة هـ يكتشفوا إنهم اتسرقوا، واللي حيلتهم راح، مرتبها، فلوس الجمعية، محفظته، اتقشطوا يا حول الله، وبدال ما يدوروا على الحرامي اللي نشلهم، بـ يقعدوا يتهموا بعض بـ السرقة.
مصدر الاتهام هو الفكرة المسبقة عند كل واحد منهم عن التاني، هي عندها تحفز لـ حركات الرجالة، وهي عنده تخوف من “حركات نسوان مصر”، القاسم المشترك بين تحفزها وتخوفه هو شعور كل واحد منهم بـ إنه “غريب”، على حد تعبيره ليها.
مشكلة الإنسان لما يبقى حاسس إنه غريب، بـ تبقى في إنه بـ يحس إن كل واحد حواليه غريب عنه، وده مستوى تاني، أو أول، لـ موضوع الفيلم، وهو مفهوم “الغريب”، والفترة دي عموما (فترة أواخر السبعينات والتمانينات) كان الغربة والاغتراب من الموضوعات المفضلة لـ كتير من الفنانين، خصوصا المثقفين منهم.
راجع معايا كده مثلا أغاني محمد منير، وجزء من أغاني الحجار والحلو، وأشعار الجيل ده خصوصا عبد الرحيم منصور وسيد حجاب، هـ تلاقي الغربة موضوع أساسي.
المهم، ما بـ تنتهيش الخناقة بـ إنهم عرفوا “الحقيقة”، ب العكس، بـ يستمر كل واحد فيهم على اتهامه لـ التاني، فـ يحيلوا الأمر لـ الشرطة، بينما بـ نشوف الشخص الغامض، اللي إحنا كمان كـ متفرجين على النزاع، ما انتبهناش ليه، وهو اللي بـ يركب التاكسي/ الحكومة، ويقول له: “الموضوع كبر، اطلع يا اسطى، شوف أكل عيشك”، وبـ يطلع الأسطى، وهو مش مركز مين اللي راكب، بس الراكب الغامض بـ يضرب إيده فـ جيبه، ويطلع اللي شفطه من الاتنين، ويبدأ يتفحص “الغلة” ويعدها في غفلة من السواق، تفتكر السواق كان فعلا في غفلة؟
نتنقل بعدها قسم البوليس نشوف الشرطة هـ تعالج النزاع ازاي، وده موضوع تاني، إنما اللافت يا أخي، إنه لا عفاف ولا شحاتة في أي لحظة تالية، حتى بعد ما تأكدوا من ضياع فلوسهم، فكر ولو لحظة: مين اللي سرق منهم الفلوس، والحرامي ما جتش سيرته تاني، تفتكر الحرامي ده فين دلوقتي؟
يالا، خلينا نكمل مع عفاف وشحاتة والغريب الذي في بيتي.