هبه عبد العزيز تكتب : هشام الثالث...خليل كلفت

الثقافة هى الثروة والقوة الحقيقية، فقد كان أعدائنا يدركون أن قوة أمتنا تكمن فى علمها وثقافتها وفنونها ومواهب أبنائها الأصيلة، وكان العالم كله يحترم ثقافتنا العربية، تلك الثقافة التى جمعت أصول متعددة، أشتركت مجتمعة فى عشقها للأوطان، عاشت على أرض واحدة، تحت راية دين واحد، ولغة واحدة، وفى هذا السياق أود أن أتقدم بوافر الشكر والأمتنان لسيادة لدكتور/ محى الدين سليم “أستاد القانون المدنى”، لإهدائه إياى وثيقة تاريخية تعود إلى 1028م/419 ه، وهى خطاب خطه “جورج الثانى” ملك أنجلترا والغال والسويد والنرويج بغية إرساله إلى خليفة المسلمين فى الأندلس آنذاك “هشام الثالث” يقول له فيه ما نصه (……فقد سمعنا عن الرقى العظيم الذى تتمتع بفيضه الصافى معاهد العلم والصناعات فى بلادكم العامرة، فأردنا لأبنائنا أقتباس نماذج هذه الفضائل، لتكون بداية حسنة فى أقتفاء أثركم لنشر أنوار العلم فى بلادنا التى يسودها الجهل من أربعة أركان، ولقد وضعنا أبنه شقيقنا الأميرة “دوبانت” على رأس بعثة من بنات أشراف الأنجليز، تتشرف بلثم أهداب العرش وألتماس العطف، لتكون مع زميلاتها موضع عناية عظمتكم وحماية الحاشية الكريمة، وحدب من لدن اللواتى سيتوفرن على تعليمهن، ولقد أرفقت مع الأميرة الصغيرة هدية متواضعة لمقامكم الجليل، أرجو التكرم بقبولها، مع التعظيم والحب الخالص). من خادمكم المطيع جورج الثانى ملك أنجلترا.

توقفت كثيرا أمام هده الوثيقة، وقد ملئنى مزيج من مشاعر الفخر والعظمة والعزة والأمتنان لأصولى وجذورى العربية والأسلامية العريقة، ولكن وبكل آسف سرعان ما تبخرت وتبدلت هذه الحاله الحماسية وذلك الاحساس الرائع ، لأشعر بعدها وكأننى أتنفس دخان أسود يغلق رئتى من شدته وكثرته، عندما تبادرت الى ذهنى أول صورة مقارنة لواقعنا وما نعاصره ونعايشه الأن، وبين ما كنا عليه خلال عصرنا الذهبى مند أكثر من1000 عام تقريبا!!!

فحقا أننا نعيش الان حالة من الفراغ والإنكسار والانحسار الثقافى. فكيف لا يحتفى بمثل هده الوثائق فى عالمنا! ولا نجد لمثلها (وهى بعض من كل أصبح شبة منسيا ) أى صدى فى أعلامنا، مدارسنا، جامعاتنا، بيوتنا!!

وتذكرت وأردت أن أذكركم معى بالراحل عنا منذ أيام، المثقف الموسوعى “خليل كلفت” أحد أكبر وأبرز مثقفى اليسار المصرى ،والذى نفذت كتاباته إلى العقول والقلوب،وإستطاع فتح آفاق جديدة فى عالمى الأدب والسياسة تحديدا، تخطى حدود الثقافة، كانت له رؤية فى الحياة لها نكهتها المستنيرة. ولا أتعجب كيف أن رحيله لم يحدث دويا فى الأوساط الثقافة! خاصة وأننا شعوب لا تعظم وتكرم ألا من توارت أجسادهم تحت الثرى ، وحتى فى حياته فلم يحتفى به كما كان يستحق على الأطلاق، لم تسلط عليه الأضواء كما تسلط اليوم على مدعى الثقافة والفنون وأصحاب أقلام الرصاص،ممن أحترفوا فنون الاساءة والتشوية وإفساد الذوق العام، وما عدت أستغرب الأمر كثيرا فتلك التداعيات الثقافية والسلوكية والقيمية أصبحت واقع نعيشه ويتطور منذ تطبيق عملية الانفتاح الأقتصادى بشكل عشوائى، فغلبت العشوائية على أساليب ممارستنا للحياة كلها. ولذلك لا أدرى إن كان كثير منا يعرف عن”خليل كلفت” أم أننا مجرد قلة، لذا قررت أن أخصص ما تبقى من مقالى هدا لإلقاء القليل من الضوء على بعض من حياته وأنتاجه الثقافى الغزير، كأهداء لروحه التى ستظل باقية بكل ما خلدته لنا من إبداع، وكنوع من الوفاء لهذا الصرح الثقافى الضخم، الذى ندر وجود أمثاله فى زماننا هذا. إنه “خليل كلفت” ففى الأدب هو : الكاتب والمؤلف، كاتب القصة القصيرة، والناقد الأدبى ، مترجم عتيد للغتين ( الأنجليزية و الفرنسية) ترجم لنا أبداعات “يود قيس”، وهو أيضا مكتشف الكاتب البرازيلى “ماشادو ده أسيس”والذى يعد الأب الروحى وعميد الأدب البرازيلى، وقد ترجم له الرائعتين( السرايا الخضراء و دون كازمورو)، ومن أهم ترجماته أيضا : تغريب العالم ، تجارة عادلة للجميع ، مدرسة فرانكفورت. وكذلك هو المؤلف المعجمى البارز، فقد أنشأ العديد من المعاجم اللغوية والقواميس ومنها ( معجم ألياس، تصريف الأفعال، هاراب التجارى )، وهو اللغوى القدير وله العديد من الاسهامات فى عدد من قضايا اللغة الهامة كالأذواج اللغوى ما بين الفصحى والعامية، وتجديد النحو وتطويره، كما له أسهام جليل فى جمع كل معوقات نمو وتطور اللغة و أسباب تأخرها عن اللغات الحية الآخرى، ولا يفوتنا أن نذكر أنه بدأ حياته كناقد أدبى فى جريدة المساء، كتب عن شعراء كبار أمثال العراقى/ عبد الوهاب البياتى، والفلسطينى/ توفيق زيادة، وفى مجال الشعر والقصة القصيرة له العديد من الابداعات. وأما فى السياسة : فله العديد من المؤلفات السياسية مثل (الأقطاع و الرأسمالية الزراعية فى مصر – من عصر محمد على الى عهد عبد الناصر) وقد تمت ترجمت هدا الكتاب الى اللغة اليابانية، أيضا له عدة دراسات عن أسلوب الأنتاج الأسيوى، و البرجوازية البيروقراطية ، والقومية العربية، ومن درر أنتاجه كتاب هام بعنوان ” الكارثة الفلسطينية” عام 1982م أنتقد فيه بعض السياسات التى رأها ستقضى على ما تبقى من المقاومة. فأبداعاته السياسية لا تقل ابدا عن أبداعاته الأدبية، حيث أنها شاركت فى تشكيل و صياغة بعض أتجاهات الفكر السياسى العالمى .

ف”خليل كلفت” رواية إبداع عبقرية لا تنتهى… وللحديث بقية…

نقلاً عن “الوفد”

اقـرأ أيـضـًا:

شاهد اللحظات الأولى للهجوم الإرهابي على مقهى في باريس   

عادل إمام يحرج مراسل قناة المحور على الهواء

الإعلام المصري في قضية الطائرة الروسية.. شاهد مشافش حاجة

8 حقائق في حب “الفرنجة”

إنجي أنور.. “البيت مش بيتك”

انسحاب ضيف الإبراشي على الهواء: قلة أدب

4 فروق بين “تامر روتانا” و”أمين الحياة”

هشام المياني يحقق: هل كان “هيكل” وراء القبض على “صلاح دياب”؟ 

 .

تابعونا علي تويتر من هنا

تابعونا علي الفيس بوك من هنا