منذ شهر ونصف الشهر، انطلق برنامج اكتشاف المواهب “ستار أكاديمي” في نسخته الحادية عشرة بالتسلسل الزمني، والثالثة بالترقيم المصري، مذ شاركت مجموعة “CBC” في رعايته، وأصبح يبث عبر شاشتها بالاشتراك مع القناة اللبنانية “LBC”، وبينما اختلف القائمون عليه وتغيرت الشركة المنتجة والقنوات الناقلة، افتقد البرنامج عناصر جذب كثيرة، ما أثر على مشواره، وهو ما يظهر من خلال النقاط التالية.
جاءت “طبخة” ستار أكاديمي في نسخته الممصرة بعض الشيء “محافظة”، كى تناسب عادات وتقاليد المجتمع المصري”المتدين بطبعه”، لأن البرنامج أصبح يُذاع على قناة مصرية تراعي حدود الأدب والأخلاق! ما افقد البرنامج أهم عناصر نجاحه من قبل، وهو الإثارة الممثلة في مشاجرات وسباب بين الطلاب من ناحية، وغراميات وحب وغيرة من ناحية آخرى.
هذا العنصر بالطبع لم يختف من البرنامج، ولكن تم تهذيبه، فلن تجد مشاهد عناق وقبلات تجتاح “السوشيال ميديا” كما كان بكثرة من قبل تحت إطار “فضائح ستار أكاديمي”، إذن قلة الفضائح كانت أحد الأسباب لغياب بريق البرنامج، الذي اكتسب شهرته بمتابعة الشباب لقصص حب مشتركيه أكثر من سماع أصواتهم.
كانت مديرة الأكاديمية من قبل منتجته اللبنانية رولا سعد، هي من تحرك الأحداث داخل الأكاديمية، وكانت تدرك جيدًا قواعد اللعبة لمشاركتها في البرنامج أيضًا كمعدة ومديرة فنية، فجاءت “حبكتها” قوية، لأنها كانت ملمة جيدًا بكل العناصر التي تجذب جمهور برنامج الواقع، وعلى الرغم من أن هذه الحبكة “سامة” لمجتمعنا العربي، إلا أن المنتجة كانت تعي مفاتيحها.
الكاتبة اللبنانية كلوديا مارشليان هي فقط مديرة الأكاديمية حاليًا وليس أكثر من ذلك، تسير على نفس الخطى التي وضعها سابقيها، وتلتزم بالخطوط العريضة للبرنامج كما هي من حيث الدروس التي يخضع لها الطلاب، وطريقة وكيفية التقييم الأسبوعي لهم، إضافة إلى خط سير “البرايم”، ولائحة الـ TOP 5. المديرة الجديدة لم تصنع فارقًا يُذكر في البرنامج، وإن كانت أكثر انصافًا وعدلًا من السابقة في تقييم المشتركين، فلا تحكمها الجنسيات كما جرت العادة.
كان البرنامج يعتمد على المواهب الشابة التي تغني باللغات الأجنبية المختلفة بشكل كبير، فكانت أغاني البرايم تتنوع بين الإنجيليزية والفرنسية وأحيانًا الأسبانية والإيطالية وغيرها، ولكن أدرك صناع البرنامج في موسمه الحالي أن الجمهور المصري أغلبيته لا يتحدث هذه اللغات، فتم تقليصها وتقليص مشتركيها، فنجد في الموسم الحالي مشتركين فقط يجيدون الغناء بالإنجليزية، مقابل كثيرين يغنون باللغة العربية، ووسط محاولات مغازلة الجمهور المصري بأغاني طربية من التراث، ومغازلة الجمهور اللبناني بأغاني وطنية، ضاع جمهور دول المغرب، وربما كان هذا من أسباب ضعف البرنامج على مستوى مشاهدة القسم الأكبر من جمهوره في دول المغرب العربي.
والحديث عن ضعف المشاهدة يدفعنا بالإشارة إلى مستوى الطلاب وألية اختيارهم من البداية، التي تكون متفاوتة جدًا، فإدارة البرنامج تعلم أن كل برايم لابد أن يخرج متسابق لذا فهى تختار مستويات لا تليق بالظهور على الشاشة أحيانًا، إضافة إلى أن طالب “ستار أكاديمي” لا يهم صوته بقدر أن يكون له سمة ما تثير الجدل حتى لو “مستفز”، والنتيجة تكون أداء سئ جدًا على الشاشة، يتطور ببطئ شديد حتى النهاية، ولكنهم معتمدين على عناصر الإبهار الممثلة في “التابلوهات” المنفذة إخراجيًا واستعراضيًا بشكل محترف حتى لو أن الصوت المصاحب لها “كله نشاز”.
لم يكتف البرنامج بتقييم الأساتذة ومديرة البرنامج للمشتركين، وتم الدفع بالموزع الموسيقي هادي شرارة ليقيم الطلاب مساء كل سبت، بعد انتهاء الحلقة المباشرة يوم الجمعة، والغريب أن “شرارة” لا يعجبه أي شئ –إلا نادرًا- في المواهب للسنة الثالثة من مشاركته في البرنامج، ويوجه انتقادات لاذعة للطلاب تؤكد أن أدائهم كان ضعيف للغاية، الأمر الذي يتعارض مع تقييم الأساتذة ومديرة الأكاديمية، ومن هنا كانت هناك حالة من الجدل بين الطلاب الذي صرح أحدهم في الموسم الماضي بعد تقييم “شرارة” له، بأن رأيه لا يعتد به وأن رأي الأساتذة هو الذي يصنع الفارق، وربما هذا ما دفع إدارة البرنامج الموسم الحالي إلى الأخذ برأي شرارة بعض الشيء لتجميل الصورة، ويظهر ذلك من خلال تحديد الطلاب الأضعف وفقًا لتوجهاته.
ولكن يظل عنصر التقييم من أهم عناصر “تطفيش” الجمهور، الذي يتوه بين أكثر من وجهة نظر ويُعبِّر دائمًا عن شعوره بظلم مشتركه المفضل، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، علاوة على أن “شرارة” أحيانًا يكون متحيزًا لوجهة نظره في “الفن” فيُنصف الأصوات التي تؤدي بالطريقة التي يفضلها، بغض النظر عن أن دوره تقييم المواهب فقط.
وسط طوفان نجوم الغناء على برامج اكتشاف المواهب، وسيطرتهم على الشاشة لساعات طويلة، حديثًا أو غناءً، أصبحوا هم المواهب التي يعيد الجمهور اكتشافها! ليتجرع المشاهد خفة أو ثقل دمهم أحدهم، واستظراف أو سماجة آخرون! المهم أن أخبارهم تتطاير عقب انتهاء أي حلقة من البرامج التي يشاركون فيها، وتغيب “الهالة” التي من المفترض أن يصنعوها للموهبة التي تستحق الدعم.
لذا كان ولا يزال عنصر التميز الوحيد -وهو أحد عناصر الضعف أيضًا من حيث نسب المشاهدة- في “ستار أكاديمي”، هو أن “تلاميذه” هم النجوم، الذي يعتمد البرايم عليهم في لوحات استعراضية غنائية، تبرز موهبتهم وتقوي حضورهم وتفاعلهم مع الجمهور، ويُقيَّمون من خلالها من قِبل أساتذة مختصون في الغناء والمسرح، فيتقدم الطلاب ويتعلمون الكثير –حتى لو موهبتهم ضعيفة- ويشعر المشاهد بالفارق، إضافة إلى أن النجم الذي يستضيفه البرنامج في كل حلقة يشارك الطلاب الغناء في أغنيتين، ويغني بمفرده أغنية واحدة، وبالتالي لن يطغى حضوره على المشتركين، بل أحيانًا تكون المواهب أفضل!
وأخيرًا وجود نظام أكاديمي مكون من نخبة من الأساتذة والمختصين لاكتشاف المواهب وإبراز موهبتهم بشكل راق بعيدًا عن الشو وبيزنس النجوم، مجهود يُحترم، لكن المشكلة الكبرى ما زالت قائمة، وهي أن برنامج “ستار أكاديمي” لا يناسب مجتمعنا العربي سواء كان بنسخة منفتحة أو محافظة، فهو يُصدِّر لنا ثقافات وقيم غربية دخيلة على أصولنا الشرقية، كما أنه يساعد على زيادة تغريب الشباب عن قضايا أوطانهم، ويساهم في فقدان الهوية العربية، التي تتساقط حباتها بالفعل.