اختصر المخرج الايطالي الواعد جوناس كاربينيانو رحلة المهاجرين الأفارقة الغير شرعيين في مئة دقيقة مبهرة استحق بها جائزة الهرم الذهبي في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته السابعة والثلاثين فمن اللحظة الأولي ينطلق بطلي الفيلم ايفا وعباس واللذان هربا من واقعهما الأليم في بوركينا فاسو أملا في أن ينشروا صورهم علي الفيس بوك برفقة الأوروبيات كما يفعل أقرانهم من نفس البلدة والذين نجحوا في الوصول الي ايطاليا منذ سنوات
يبدأ الفيلم بلقطات بارعة نجح في تصويرها ونقلها وايات جارفيلد منذ وصولهم الي الجزائر عبر سماسرة الهجرة وتهريبهم عبر الصحراء الي ليبيا لتسرق أموالهم من قطاع الطرق في رحلة مليئة بالشقاء يصحبهم فيها بكاء أطفال المهاجرين الي أن يصلوا الي ليبيا ويرفض السائق العربي قيادة المركب بهم نظرا لكثرة عددهم فيتطوع أحد المهاجرين لقيادته ويشقون طريقهم في البحر الأبيض المتوسط وتتحد عليهم صوت الأمواج والأمطار والعواصف لتلقي بهم فوق أطواق النجاة التي وضعتها ايطاليا بالقرب من حدودها ليقف بطلي الفيلم علي اسطوانة بلاستيكية في عرض البحر يوم كامل إلي أن ينقذهم حرس الحدود ويصلوا الي ما تصوروا أنه الجنة وهي مدينة “روزارنو” بجنوب ايطاليا
استقبل ايفا وعباس أبناء عومتهم في معسكرات المهاجرين ليفاجئوا بأنهم سيباتون في خيم مفتوحة وسط القمامة ويبدأ ايفا في التكيف علي الوضع ويلجأ الي سرقة حقيبة أحد مسافري القطارات ليأخذ ملابس ثقيلة تقيه وعباس انخفاض درجات الحرارة بينما يظل عباس قابعا في الخيمة رافضا أن يخرج للعمل متحججا بأن ليس هذا ما رآه علي الفيس بوك ويظل علي هذا الموقف بينما يشق ايفا طريقه إلي العمل في مزارع الموالح الايطالية ويصاحبه عباس بعض المرات وينتقد خضوعه لصاحب العمل الذي يعجبه مثابرة ايفا ويسند له كثير من الأعمال مقابل أجر
يستمر عباس في رفض الخضوع للبيض كما يسميهم ويقضي معظم وقته في شرب الخمر ومرافقة المهاجرين الرافضين لهذا الذل الأوروبي بينما ينجح ايفا في إرسال أموال وهدايا إلي ابنته زينه في بورسكينا فاسو طامحا في أن تحصل علي فرصة تعليم أفضل ويحاول استمالة عباس بتقبل الواقع خاصة وأن هناك ايطاليين جيدين من أمثال ماما إفريقيا وهي السيدة العجوز الايطالية التي تستضيفهم في منزلها أسبوعيا تعبيرا عن حبها لإفريقيا
تشتعل أحداث الشغب في المدينة بعد أن أصر الايطاليين علي طرد المهاجرين من جوار الحي الذي يسكنون فيه وتنفذ الشرطة رغبتهم فيقوم المهاجرين بتحطيم سيارت سكان الحي وإشعال النار فيها ويرد عليهم
الايطاليين باستهدافهم بطلقات النار بينما يبحث ايفا عن صديقه عباس وسط الاشتباكات ويحاول أن يبعده عنها تستفزه أفعال الايطاليين وإطلاق النيران ويشترك مع المتظاهرين في الهجوم علي الشرطة ويصاب عباس إصابة بالغة يمنح علي أثرها حق البقاء في ايطاليا لمدة سنة بينما يرفض ايفا ذلك ويخبرهم أنهم قرروا العودة إلي وطنهم حتي لا يفقدوا حياتهم تاركا حلمه ونجاحه معبرا عن ذلك بكلمات بديعة بأن أرض أوروبا لا تقبل السود فعليهم أن يعودوا إلي أرضهم التي تقبلهم
لعب الدول النسائي عامل مهم في إيصال رسالة الفيلم بشكل غير مباشر بداية من تصوير معاناة المهاجرات غير الشرعيات اللاتي يركبن مراكب الموت حاملين أطفالهن ثم وصولهن إلي ايطاليا وعملهن في الدعارة خاصة وأن فرص العمل في الجنوب للسيدات قليلة فيضطررن إلي بيع أجسادهن من أجل تحقيق أحلام أسرهن في بوركينا فاسو وقدم سيناريست العمل جوناس كاربينيانو شخصية المرأة الايطالية العجوز المحبة لأفريقيا بشكل جديد فهي محبة لكل ما هو أفريقي حولها بداية من الموسيقي الي الطعام ووصولا إلي الأشخاص
أدي الممثل قدوس صهيون الغاني الأصل شخصية ايفا بعمق وإحساس بعيدا عن المبالغة والتهويل فاستحق جائزة أفضل ممثل في المهرجان نفسه بينما جاء إنتاج الدول (ايطاليا – فرنسا – الولايات المتحدة الامريكية – المانيا – قطر) ليعبر عن اهتمام العالم بقضية الهجرة غير الشرعية ودعوتهم إلي تقبل الآخر خاصة وأن الفيلم مستوحي من أحداث وصفت بأنها الأكثر عنصرية في تاريخ ايطاليا عام 2010 عندما اندلعت الصدامات العنصرية الدامية بين أكثر من ثمانية ألاف مهاجر غير شرعي و سكان مدينة روزارنو الأصليين .