(نقلا عن جريدة المقال)
——
“المقاطعون للانتخابات في منزلة العاقين لآبائهم وأمهاتهم، لأن مصر الآن بمثابة أم لنا جميعًا..أقول لهؤلاء انزلوا، لأن مصر في حاجة إليكم”.
كان هذا أحدث إبداعات رجال الدين في مجال خلط الدين بالسياسة ومحاولة أن يقولوا لرجال السلطة نحن هنا.
هذا التصريح الإبداعي الخلاق المتجدد الذي يدل على إبداع متأصل في سن التشبيهات المقنعة قاله الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر في أثناء الإدلاء بصوته في دائرته بالمرحلة الثانية من الانتخابات البرلمانية يوم الأحد الماضي.
شيخ الأزهر أدلى بصوته كمواطن عادي وهذا حقه، ولكن أن يقف ليدلي بتصريحات صحفية وتليفزيونية من داخل مقر لجنة انتخابية فهذا أمر غريب وليس له أي توصيف إلا خلط الدين بالسياسة.
فقد كان لزاما على شيخ الأزهر أن ينأى بنفسه عن أي ظهور إعلامي خلال ممارسة حقه الدستوري بالإدلاء بصوته الانتخابي، لأن أي كلام يصدر منه في هذا المقام لا معنى له إلا اشتغال بالسياسة وهو ما حدث بالفعل حيث تلقى الناس تصريحات شيخ الأزهر بغضب شديد ووصفوها بأنها لا تفرق كثيرا عن ما كان يتم انتقاده من الإخوان وخلطهم للدين بالسياسة ومحاولة استغلال الدين للتأثر على الناس وصولا لغرض سياسي معين.
أما مضمون تصريحات شيخ الأزهر نفسها فلا معنى لها إلا استغلال لمباديء الدين الإسلامي وتأويل لها لخدمة أغراض سياسية تتوافق مع رغبة الدولة، وهو أمر لا يليق بمقام شيخ الأزهر.
فمن قال إن الناس يتعاملون مع الوطن كأم لهم؟
وهل هذا هو الصحيح للتعامل مع الوطن؟
وهل الوطن منزلته أكبر أم منزلة الوالدين؟
وبهذا المنطق لو وجدنا أن الأم الحقيقية تفعل شيئا ضد مصلحة الأم التشبيهية مصر هل يعني ذلك أن نصمت ونجلس متفرجين على اعتبار أن الوطن مجرد أم ثانية لا تسمو أبدا على الأم الحقيقية؟
ثم بهذا المنطق هل نجد شيخ الأزهر بعد ذلك يدعونا إلى طاعة الرئيس وعدم انتقده مطلقا على اعتبار أنه والد لنا والدين أمرنا بطاعة الوالدين وأن لا نقل لهما أف؟
ثم السؤال الأهم: لماذا لا نجد التجديد والإبداع من شيوخنا إلا في النفاق السياسي؟
أليس الأحرى بهم أن يكرسوا جهودهم تلك لخدمة الدين وتجديد الخطاب الديني والتخلص من الفكر المتطرف الذي أودى بوطننا العربي والإسلامي إلى التدمير والتخريب؟