كان من المفترض أن يتحدث الكاتب الكبير محفوظ عبدالرحمن عن تكريمه المقرر، يوم الثلاثاء الأول من شهر ديسمبر المقبل، بجمعية كتاب ونقاد السينما، غير أن عبدالرحمن سلك طريقا آخر فى حواره، متحدثا عن انتظاره الموت فى أى وقت، بل وشعوره أنه “عاش اطول مما يرغب”.
كنت أساله عن مشواره الفنى وأهم المحطات فى حياته والصعوبات التى واجهها ليصنع اسما لامعا فى سماء الفن والثقافة، وفى أثناء حديثه الممتع عن حياته مستعيدا ذكرياته ونجاحاته، إذ به فجأة يتكلم عن انتظاره للحظة الموت، ويغوص فى جوانب إنسانية عن حياته لم يتطرق إليها من قبل.
ــ أى مناسبة ألتقى فيها بالاصدقاء والاحباء، هى لحظة تسعدنى جدا، فمع صعوبة التنقل بالنسبة لى حاليا، لم تعد هناك فرص كثيرة لألتقى بهم، فالأمر يتعدى كلمة التكريم، فهو لقاء محبة وود، واعترف أننى كثيرا شعرت بخجل بالغ من تحدى الأصدقاء كل الظروف الصعبة لحضور حفلات تكريمى، وأذكر انه أثناء عقد ندوة لى فى معرض الكتاب الاخير والذى تزامن مع زيارة الرئيس الروسى فلاديمير بوتين لمصر والمناخ كان صعبا حرصت على الاتصال بأصدقائى اطلب منهم عدم المجىء، وادعيت أننى لن اذهب للندوة، ومع هذا فوجئت بالقاعة ممتلئة.
ــ توقفى عن كتابة النقد ربما يكون مفتاحا لشخصيتى، فأذكر أننى كتبت نقدا عن أحد الكتب الادبية، وبعد مرور عام، قرأت نفس الكتاب مرة أخرى، وشعرت اننى ظلمت صاحبه، لحظتها حاسبت نفسى بشدة وتأكدت أننى غير مناسب لدور القاضى، وتركت المجال على الفور.
ــ لم يخطر على بالى هذا الأمر تماما، فكنت اكتب لمزاجى الخاص، معبرا عن نفسى، وكتبت مسرحية اسمها “حفلة على الخازوق” وحققت ضجة كبيرة جدا، وبعدها كتبت مسلسل “سليمان الحلبى” وتقرر النجاح بشكل أزعجنى، فقد شعرت أننى انجرفت لموضوع الكتابة بشكل لم اتوقعه، وأن الموضوع سيفرض على التزاما يخالف طبيعتى، أنا منطلق فى الحياة، لا أحد يعرف لى عنوانا، وشعرت بضرورة ان احسم الأمر مع نفسى إما بالاستمرار أو التوقف، وحينما اتخذت قرارا بالاستمرار وضعت لنفسى كتالوج.
ــ أنا شخص منفلت، ممكن “اعمل أى حاجه” فإذا الح على احد فى شىء أوافق فكنت بحاجة لمن يذكرنى بالقواعد التى وضعتها لنفسى، وهو الكتالوج الذى احتفظ به حتى الآن ويتضمن عددا من البنود منها الا أتى على سيرة حاكم ما دام على قيد الحياة، وألا أتعاقد على العمل الا حينما يكون معى مال حتى لا أوافق تحت ضغط الحاجة، ولا اكتب عملا لا يروق لمزاجى وهو البند الذى بسببه اعتذرت عن فرص كثيرة وهائلة.
ــ فى عام 2009 أو 2010 جاءنى ناس من تركيا يطلبون منى كتابة مسلسل عن رجل صوفى معروف مقابل مبلغ هائل، ربما أعلى مبلغ عُرض على فى حياتى، ورغم اعجابى بقصة هذا الرجل لكن وجدت أننى بهذا العمل سأكون مع الدولة الدينية وهو ما يخالف موقفى الداعم للدولة المدنية فرفضت، وكان هناك مشروع مع المخرج السورى الراحل مصطفى العقاد كان يتضمن فيلما ومسلسلا، يتم تصويرهما بديكور واحد، واعجبتنى الفكرة كثيرا، وكان الموضوع خاص بالهلالية الذين احتلوا تونس، ووجدت ان ما حدث هو قريب الشبه لما حدث من إسرائيل تجاه فلسطين، وظللت افكر فى طريقة لتناول الموضوع لكن النتيجة تظل واحدة، فخشيت أن يقال إننى مع التطبيع، فرفضت المشروع.
ــ أنا بالفعل أبطأ من غيرى فى العمل، بسبب رغبتى أن يعيش عملى 100 عام، فأنا لم أهتم أبدا بالشهرة وإلا كنت كتبت فى مجال واحد وركزت فيه وحققت مالا وشهرة، ولكنى أكتب ما يستهوينى، رغم اعترافى أن أفلامى الثلاثة التى كتبتها جميعها تمت حت ضغط، مرة من خلال المخرج صلاح ابوسيف، ومرتين بسب أحمد زكى، ولم أكرر التجربة لأنها لم تستهونى رغم عشقى للسينما وحرصى على مشاهدة الأفلام حتى الآن لكن الكتابة السينمائية لا تروق لى. فاهتمامى الأكبر كان بالمسرح.
ــ كل الأعمال التى كتبتها قبل “ام كلثوم”، و”بوابة الحلوانى” لم تمر مرور الكرام، وكثيرا ما تم رفضها، وتم التحقيق معى بسبب مسلسل، ووصل الأمر لمنعى من الدخول لمبنى التليفزيون عام 1972، بسبب السياسة، وأقسمت لهم “انى ماليش فى السياسة” وما أكتبه هو تعبير عن وجهة نظرى، يقولون إنها سياسة، والطريق فى العالم العربى لم يكن ممهدا، فإذا عرضت لى دولة عملا من أعمالى، يتم منعه فى 3 أو 4 دول اخرى، ووصل الأمر إلى أننى أنصح أى منتج قبل التعاقد معى أن العمل قد يتعرض للمنع، لأخلى مسئوليتى أمامه.
ــ رغم حبى لهذا المسلسل الا أننى أكرهه والسبب فى الحب والكره “واحد”، أنه المسلسل الذى من خلاله عرفنى الجمهور فى مصر، فلى أعمال كتب عنها كبار النقاد العرب، وأشادوا بها اشادة بالغة، ولكن للأسف هناك ناس قادوا حربا ضدى لكى لا يلمع اسمى، ومن ناحيتى رفضت الدخول فى معارك معهم، فلست الشخص الذى يدخل معركة لكى يعمل.
ــ لا أرى أن اعمالى قليلة، فأنا اشتغلت كثيرا وقدمت انتاجا كبيرا، لأننى عشت طويلا ولم يكن لدى رغبة فى هذا، فأنا من الذين يعتقدون أن أجمل لحظة فى الحياة هى الموت، وهى قمة التفاؤل، فمع كبر سنى تعرضت لحالات مرضية صعبة لا يعرفها أحد، فهناك من يظن اننى أعانى مرضا فى الأعصاب، ولكنى اجريت سلسلة من العمليات الجراحية ليس لها علاقة بالأعصاب، وأذكر أنه اثناء وجودى بغرفة العمليات فى مرة من المرات تركونى بعض الوقت وحدى ففكرت فى رواية، وأنا دائم التفكير فى الكتابة ولدى أكثرمن 20 فكرة، فالتفكير فى الموت وانتظاره، لا يعنى أبدا أننى متشائم.
ــ لم اكتب أى وصية فليس لدى أموال أورثها لأبنائى، فأنا رجل ولدت وكبرت وعشت وسأموت وأنا منتمٍ للطبقة المتوسطة، ولكن هناك اشياء طلبتها من أسرتى منها عدم اقامة سرادق عزاء لى، لأننى لا أود أن تكون لحظة وداعى مسألة تقليدية، أو أن أتسبب فى اجهاد الناس، لكن اسرتى رفضت هذا الطلب تماما، الشىء المدهش أننى رغم أن فكرة الموت لا تخيفنى لكننى أخاف ان افقد الناس، وأصعب شىء فى حياتى حينما اتلقى خبر وفاة احد المقربين لى.
ــ اسامة كتب عنى مقالين فى الوفد وكنا نلتقى كثيرا، وتعلم كتابة السيناريو من احد نصوصى، وهو أمر كان يعلنه باستمرار، كنا فى مدرسة واحدة وكنت اسبقه فى الدراسة، وهو الأقرب لى فى التفكير والآراء، وكنت معجبا بشدة بأعماله، وحينما خصصت إدارة مهرجان القاهرة للإعلام العربى جائزة تحمل اسم “نجيب محفوظ” حصلت عليها فى الدورة الأولى وأسامة حصل عليها فى الدورة الثانية قبل أن يتم الغاء المهرجان، وعليه ففقدانه كان أمرا مروعا بالنسبة لى.
ــ هذا كلام غير صحيح، فهناك اسماء عديدة مددت لهم يد المساعدة، ولكنى لا احب الإعلان عنهم ابدا، وبابى مفتوح دوما لمن يريد التعلم والاستفادة من خبرتى، ولم ابخل يوما على جيل الشباب بأى نصيحة، بل لقد استفزنى كثيرا صناع مسلسلات السير الذاتية الذين سعوا لتكرار نجاحى مع “أم كلثوم” فنقلوا طريقة التناول بالمسطرة وبشكل غاب عنه الخيال والإبداع ولم يسع احدهم لكى يسألنى النصيحة، ومعرفة كيف قدمت هذا العمل فكانت النتيجة اعمالا سيئة واخرى يستحق صناعها المحاسبة على الجريمة التى ارتكبوها فى حق العمل.
ــ فى عصر الثقافة التليفزيونية وخضوع المصريين لإغراء الشاشة الصغيرة، أؤكد ان المسئول عن تردى الأخلاق بهذا الشكل هم مجموعة المؤلفين الذين يكتبون من أجل المال، بحجة أنهم مضطرون ولو لم يفعلوا هذا لن يستعين بهم احد، وهو امر يستفزنى فالمضطر يبحث عن مهنة اخرى يتكسب منها لكن “لعنة الله على الكتابة” بهذا الشكل، فالمصرى اصبح مخوخ ومشوه بسبب ما يراه من دراما مليئة بالإسفاف أقسم انها غير موجودة فى تليفزيونات امريكا وفرنسا وانجلترا.
ــ رأيى ان الورش لا علاقة لها بالفن، ولى تجربة حينما عرض على صديق رواية اشترك فى كتابتها مع شخص آخر، وحينما قرأتها وجدتها بلا طعم، وحقيقة لست مقتنعا بالفكرة نفسها، فعن نفسى لا اعرف العمل مع شخص آخر، فالكتابة بحاجة إلى الخصوصية، وكيف يحدث هذا فى وجود شخص اخر وربما اكثر.
ــ فى هذه المرحلة العمرية لا استطيع الإجابة على هذا السؤال، فأنا كل شهر اختار عملا مختلفا أراه الاقرب لى، وما كنت اظنه سيئا، حينما اعيد التفكير فيه أراه جيدا وما أراه أحسن أعمالى ارى أننى قدمت احسن منه، ولكن كل عمل بذلت فيه جهدا ووقتا وبحثا، اعتز به بكل تأكيد.