تطور دور السوشيال ميديا في العالم تطورًا كبيرًا في السنوات الآخيرة خاصة بعد الثورات العربية، عندها أدركت فئات كثيرة أنه وسيلة فعالة لجذب وحشد الأراء في اتجاه معين إذا أرادت، وهى التي كانت تتعامل مع الفيس بوك وغيره على أنه وسيلة للترفيه ليس الا، مصداقية الخبر غير مؤكدة ولكننا غالبًا لا نكلف أنفسنا مشقة معرفة الحقيقة قبل الضغط على “شير”، وكذلك فعل الاعلاميون على جميع المستويات، فأنا وأنت نرى كل يوم برامج التوك شو وهى تصنف وتشرح المجتمع أو تلفت انتباهه وتدعوه لعمل شيء ما، حتى وإن كان بطريقة غير مباشرة، والنتيجة أن تنجذب مجموعة لهذا وتنجذب أخرى لذاك فقط لأنها اعتادت رؤيته على الشاشة فوثقت به دون سبب، ونفعل ما نفعله مع السوشيال ميديا مرة ثانية غير مبالين بالمصداقية.
للأسف يحدث هذا كله لأننا شعب لا يقرأ، لسنا وحدنا في هذا الفخ فأنا أتكلم عن الوطن العربى، آواخر الاحصائيات تشير الى أن كل مليون شخص عربى يقرأ 30 كتابا في السنة! هالنى الخبر لكنى للأسف أستطيع تصديقه ولن أكتب عن احصائيات القراءة في العالم لأنى أكاد أجزم أنك طالما تقرأ هذا المقال فأنت على معرفة وثقافة غير ضئيلة، فالكثير في مصر لا يقرأ حتى العناوين، كما أن الغرب أجاد تصدير نوعية برامج معينة لنا فلن أذهب أيضا الى احصائيات نسبة مشاهدة التليفزيون في العالم فكلنا نفعل ذلك بغير حساب لعدد الساعات التي ننفقها من حساب أعمارنا القصيرة، أستثنى سماع الراديو في مصر لأن الغالبية تسمعه فقط في الطريق المزدحم دائما.
لكنى لن أمنع نفسى من المقارنة بالكاتب الأوروبى وحتى الأمريكي الذى يطالب فقط بالابداع، يكتب ويبدع ولا ينخرط في أعمال تسويقية من أي نوع، فهى ليست من شأنه، فكل له عمل يهتم به ويؤديه على أكمل وجه، الكاتب المصرى يكتب ويحاول أن يبدع ثم يتابع كل صغيرة وكبيرة خاصة بالكتاب ثم يأتي التسويق في مواقع السوشيال ميديا المختلفة والبحث عن برنامج اذاعى أو تليفزيونى لتزكية العمل، عمل ندوات مناقشة أو حفلات توقيع، يتابع مبيعات الكتاب في البلد التي لا تقرأ، غير ما يواجهه من مشاكل مع أغلب دور النشر اما بالتجاهل والتعسف أو النصب أحيانا، فأنت محظوظ جدًا إذا لم تتعامل مع احداهما، كل هذا إلى جانب عمله ومسئولياته وضغوط الحياة اليومية، ولن نتطرق الى أكذوبة الأكثر مبيعا المتعمدة والمنتشرة في أكبر المكتبات في تقليد أعمى للغرب الصادق بشدة في أكذوبتنا.
استرجعت كل هذا وأنا أكتب وأفكر في معاناة الكاتب المصرى وأحاول أن أمسك بالأفكار التي تتلاحق في سرعة وتتلاشى، فالمعاناة كبيرة، كيف يتفرغ الكاتب المبدع للكتابة وهو في حاجة لسداد أقساط مدرسة ابنه؟ لن يستطيع أبدًا وسنظل في اللاشئ طالما أننا لا نقدر القراءة ولا نساعد على فعلها، دور الاعلام المسموع والمرئى أكثر من هام لنشر الوعى والثقافة وإن كان قد بدأ خطوته الأولى نحو الاهتمام بالقراءة وسوق الكتب تحديدا، أتمنى أن تكبر هذه الخطوات وترسى بقوة بل وتخترع أساليب جديدة لتوجيه اللاوعى العربى الى القراءة والبحث عموما بدلًا من التوجيه إلى مآرب سياسية أو زيادة استهلاك أو غير ذلك.
أعرف أن صوتى ضعيفًا لكنه موجود ككثير من الكتاب العرب، فقط نأمل في رؤية شعوب أكثر وعى حتى وإن كان في زمن أحفادنا، فقد وضعنا بذرته الآن.