نقلاً عن “المصري اليوم”
لا شىء يربط بين هذه الحكايات الأربع وأبطالها عنايات وعايدة وعدوية وعادل سوى أن أبطالها مصريون جمعهم بالصدفة حرف العين، كان عليهم فى لحظة أن يشاركوا فى الانتخابات أو ينضموا إلى مسيرة السلام لدعم السياحة فى مصر، عنايات وعايدة سيدتان فقيرتان تجريان على قوت يومهما، تلتقطان رزقهما بعرق الجبين، ولهذا لم ترصدهما كاميرا الفضائيات، بينما أحمد عدوية وعادل إمام يُطلان على المشهد من زاوية مغايرة، كل منهما ملك فى مجاله، عدوية ملك الأغنية الشعبية وعادل ملك الكوميديا، ولهذا لهثت وراءهما الكاميرا.
عنايات عندما علمت أن الانتخابات قد بدأت، لم يكُن يعنيها فى الحقيقة مستقبل الوطن السياسى وما هى المشروعات التى سيقدمها المرشح الذى عليها أن تنتخبه أو ما هو برنامجه، وهل هو مرشح حزب أم مستقل، فردى أم بالقائمة، كل هذه الكلمات «المجعلصة» لا تسمن ولا تغنى من جوع، ولكنها كانت واضحة جدا مع نفسها، شاركت فى الانتخابات الأخيرة من أجل الحصول على 100 جنيه، اكتفت بأنها أخذتها من أحد المرشحين كما أشارت جريدة «الوطن» قبل بضعة أيام، لكنها لم تدرك أن السعر ارتفع إلى خمسة أضعاف، عنايات أخذت المائة جنيه ولكنها لم تمنح صوتها لأحد، أظنها قررت أن تلاعب هذا المرشح على طريقة فهلوة أولاد البلد، هو يلاعبها بورقة أم مية وهى تلاعبه بألا تمنحه صوتها، ليس أولاد البلد كلهم مثل عنايات، لديكم مثلا عايدة التى تأتى بين الحين والآخر لمساعدة أمى فى تنظيف المنزل، قالت لى إنها أخذت المائة جنيه، وفوقها «بوسة» من إحدى المرشحات فكان إحساسها جارفا ومضاعفا فهى إذا كان من الممكن أن تخون المائة جنيه فلا يمكن أن تخون البوسة فمنحتها صوتها.
على الجانب الآخر كان أحمد عدوية يتمشى بمفرده فى حى المعادى التقته مراسلة قناة «صدى البلد»، أرادت أن تحصل منه على تصريح لحث الناس على التواجد فى الانتخابات ولم يكن عدوية مثل أغلب المصريين يدرى فى الحقيقة شيئا عن الانتخابات، قالت له المذيعة ح تعمل إيه، حتدى صوتك لمين؟ أجابها: «السيسى حبيبى انتخبته وح انتخبه». اعتقد عدوية أن الأمر متعلق بالرئيس السيسى، أحد العابرين صحح له المعلومة بأن الانتخابات غدا فقال لها مجددا طبعا ح أدى بكرة صوتى للسيسى حبيبى، عاد وصحح له نفس الرجل العابر المعلومة بأن المقصود انتخابات مجلس الشعب، والتقط عدوية الخيط هذه المرة فقال إنه سيمنح صوته لمرشح صديقه يقطن بجوار المحكمة الدستورية بالمعادى، وبذكاء أراد أن ينهى اللقاء ويغير دفة الحوار، فهو يؤيد السيسى وهذا يكفى، وكان يخشى مثل أولاد البلد أن يورطه أحد فى السياسة، فسأل المذيعة عن اسمها وغنى لها «يا هند ياعسل كل من شاف جمالك قال بيضربوا بيكى المثل يا هند يا عسل»، وحصلت هند على صورة مع عدوية بينما على «النت» كان التعليق الساذج أن عدوية يغازلها وردت هى بسذاجة أكثر أنه «قد جدها».
أما عادل إمام فلقد ذهب فى المرحلة الأولى للانتخابات برغم أنه قال إنه لم يكن يدرى شيئا عن المرشحين ولا أفكارهم، وكان فى محطته التالية متجها إلى «شرم الشيخ» وتصدر باعتباره الزعيم مسيرة الفنانين فى المؤتمر الذى نظمته مؤسسة «أخبار اليوم»، من المؤكد أن الفضائيات تكاثرت عليه والسؤال التقليدى: وماذا تقول فى تلك اللحظة الراهنة؟ والمؤكد أنه شبع من الأقوال التى تتعرض لتلك اللحظة التى لا تزال راهنة ولهذا قال للمذيع «إزيك»، ولم يستوعب المذيع أن عادل يريد إنهاء الحوار، فأعاد السؤال بماذا تصرح فقال له بغضب: صرحت أمس. إلهام شاهين حفظت ماء وجه المذيع وصرحت بدلا من عادل إمام.
كما ترى كل الفضائيات منتشرة فى «شرم» والكلمات تعددت وتشابهت وتكررت وليس هناك جديد، وأتصور أن عادل لم يكن يريد إحراج المراسل ولكنه أشار بطريقته إلى الاحتجاج على حالة الإعلام برمته، ولم يكن المقصود قناة بعينها ولكن كل المنظومة الإعلامية.
الفضائيات صارت كلها تبالغ فى الرصد، ولهذا تشابهت فى كل شىء، وجدنا مزايدات هنا وهناك، مثلا محمد منير قالوا إنه سوف يغنى فى «شرم»، وتحدد الموعد الأسبوع الماضى ثم تردد أنه أجّل لمطلع ديسمبر، والبعض قال إنه مطلع العام الجديد، على «النت» انتشر فديو راقص لصوفينار باعتبارها قد ذهبت لتنشيط السياحة فى «شرم»، رغم أن الفيديو مصور قبل بضعة أشهر، ما الذى يعنيه كل هذا التهافت سوى أننا تجاوزنا كإعلام مرحلة التشبع، إنها الجرعة المفرطة، نحن أساتذة فى إهدار الطاقة وإفساد كل الأشياء الجميلة، الحكمة التى كثيرا ما نرددها ونادرا ما نأخذ بها «لكل مقام مقال»، سخرية عادل لو تأملتها ستكتشف أنها موجهة ضد أسلوب الإعلام البائس، قديما قالوا «الفضيلة تقع بين رذيلتين الإفراط والتفريط». ونحن اخترنا بمحض إرادتنا رذيلة الإفراط.
هل تتذكرون الوفد الذى صاحب الرئيس قبل أشهر قلائل فى رحلته إلى ألمانيا وتلك الهتافات والأغنيات الحماسية التى تابعته فى أثناء الزيارة، شاهدنا صخبا فنيا وإعلاميا، وجاءت النتيجة غير مرضية على الإطلاق، صحيح أن رئاسة الجمهورية رسميا لم تعلن الغضب، ولكن عدم تكرار مصاحبة الفنانين للرئيس مرة أخرى إلى لندن وهى معقل الإخوان يشير إلى أنه لم يكن هناك ضوء أخضر يسمح بالتكرار.
إنها الجرعة التى لم نتعلم كيف نضبطها الفضائيات تلعب بطريقة انتقائية، فلم تكن عادلة وهى ترصد «إمبراطورية عين»، فكانوا يلهثون وراء عادل وعدوية، لأنهما نجمان بينما كانت كل الكاميرات غائبة عن عنايات وعايدة، لأن حضورهما على الشاشة سيفضح زيف العملية الانتخابية وزيف الإعلام!.