أنس هلال
لم تدرس عاليا عبد الرؤوف الإخراج الصحفى، ولكن حبها للصحافة قادها في النهاية للوقوع في “فخ” صاحبة الجلالة، لتجمع بين دراستها للهندسة التي تقوم على التصميم، وفن الإخراج الصحفي الذي يقوم على الحس الصحفي للربط ما بين شكل الجريدة والمحتوى، وعبر تجارب مختلفة بداية من “المصري اليوم” مرورًا بـ”الدستور” و”التحرير” استحقت أن تنال جائزة مصطفى أمين وعلي أمين لأفضل مخرجة صحفية، لتستكمل تجاربها الجديدة وتقدم “ماكيت” مميز عبر تجربة “المقال”، وتروي لنا تجربة “الفريق”، والمجلات الجديدة المُنتظر صدورها. “إعلام.أورج” التقى عاليا عبد الرؤوف وكان لنا معها هذا الحوار.
بعدما تخرجت من كلية الهندسة، كانت الأجواء العامة المحيطة هي عدم وجود فرص عمل حقيقية أو مناسبة، وبالصدفة أخبروني أن هناك جريدة “جديدة” و”مغمورة” اسمها “المصري اليوم”!، وكانت “المصري اليوم” وقتها حديثة للغاية، حتى أن وقع الاسم نفسه كان غريبًا، ولكن التجربة كانت مختلفة لأني أحب الصحافة منذ أن كنت صغيرة، أحببتها من عائلتي التي كان منها صحفيون بجريدة “روز اليوسف”، وهناك كانت بداية أول طريقي في عالم الإخراج الصحفي، وكان لي الشرف أني تعلمت على يد د.أحمد محمود، والذي يعد الاسم الأشهر والأكثر تميزًا، وهو رائد المدرسة الإخراجية الحديثة، التي ما زلنا نعيش على ما تعلمناه منها حاليًا.
بعد “المصري اليوم” كانت تجربة “الدستور” بعد إعادة إصدارها عام 2005، وكانت الجريدة جديدة في كل شئ، في محتواها وفي تصميمها وإخراجها، والأهم في جرأتها، وجرأة المحتوى وتجديده انعكست على جرأة الإخراج، وهذه هي مدرسة إبراهيم عيسى، يبحث دائمًا عن الأفكار والتجارب الجديدة، ويجمع حوله مجموعة من أصحاب الأفكار الجديدة والرؤى المختلفة، “اللاسعين يعني”، لتخرج “الدستور” مختلفة عن كل الجرائد وقتها، لتأتي بعدها “التحرير” لتكون مختلفة هي الأخرى عن كل ما عملت به قبل ذلك، إلى تجربة “التحرير ويك إند” وهي التجربة الأكثر قربًا إلى قلبي، الأكثر إبداعًا، وجميع العاملون بها ما زالوا يشعرون بحنين ما لهذه التجربة التي لا شك أنها من الممكن أن تعود مجددًا تحت اسم جديد، لذلك كانت مدرسة إبراهيم عيسى مختلفة، وكان هذا سبب نجاحها، وحينما بدأ التدخل من الإدارة أو وجود شكل معين يقدم أخبارًا نمطية، كان هذا هو السبب الرئيسي لانصراف الناس عنها، لتنتهي النهاية المؤسفة التي لم أكن أتمناها كما رأينا.
منذ أن كانت “المقال” مجرد فكرة وأنا أرسم في ذهني التصور الذي ستكون عليه هذه الجريدة، فهي أول جريدة من نوعها تقدم مقالات ومواد رأي فقط، والبعض يظن أن هذه مهمة سهلة أو مجرد صفحة رأي بتقسيماتها العادية من أعمدة وغير ذلك، ولكن في “المقال” كان أبرز ما يشغلني أن تخرج الجريدة من طابع الجمود وأن تكون هناك “روح من الخفة” والتبسيط، وأن لا تكون جريدة مُعقدة، وعلى الرغم مما تتمتع به من عمق، إلا أن الانطباعات كانت ترى المقالات تُقدم بـ”خفة دم” رغم الطابع المقالي التحليلي لكتابتها، وهذا كان المكسب الأبرز، وبالنسبة للصور في “المقال”، هي ليست “صور” ولكن 80% منها رسوم، وكنا نريد أن يقوم بها رسامون ولكن إيقاع الرسامين المصريين لا يتوافق مع طبيعة الجريدة اليومية، فاستعنا بهذه الرسوم من رسامين عالمين أبدوا تعاونًا إيجابيًا وبعوائد محدودة تشجيعًا للتجربة، ومواقع عالمية تتيح استخدام هذه الصور مقابل اشتراكات مادية، فكانت هذه الصور تمثل خيال جديد وخطوط جديدة أكثر إبداعًا، وبها مساحة رائعة لتوظيفها مع المقالات، فنحن نتعامل مع كل مقال باعتباره “موضوع”، لذلك كانت الجريدة مختلفة في شكلها ومحتواها.
تتابع عاليا عبد الرؤوف الحوار: بالفعل قدمنا مجموعة من الأفكار الجديدة خاصة في الصحفات الأولى لـ”المقال”، هذه الأفكار كانت إما باقتراحات رئيس التحرير إبراهيم عيسى، أو أفكاري، وأحيانًا أفهم التصور الذي يريده وأحاول تقديمه بطريقتي، أو أنفذه كما يريده تحديدًا فيخرج رائعًا كما كان يتصوره ويشيد به، هي حالة أفكار “مجنونة”، خاصة في الصفحة الأولى، ودائمًا ما أقف معه في صالة التحرير لتنفيذ الصفحة الأولى، وعلى القدر الذي أعاني منه من تشتيت وتوتر اللحظات الأخيرة، على قدر ما تخرج الصفحة الأولى من إبداع في الغالب، وعلى سبيل المثال زيارة بوتين لسوريا، كل الجرائد تتعامل مع صور لبوتين بكادرات مختلفة، ولكن في “المقال” اخترنا رسمة الدب الروسي وتحت عنوان “الدب الروسي وصل سوريا”، كما استخدمنا أيضًا اللغة الروسية في صورة لبوتين أول مرة، وكررنا التجربة باللغة الفرنسية بعد تفجيرات باريس، ونكتب بجانبها الترجمة العربية لها لتصل أيضًا للقارئ ويفهمها، أيضًا حاولنا الاختلاف في أعداد مثل “حكومة غرقانة” و”ليست الإسكندرية وحدها التي تغرق”، وعدد الزمالك، ولعل اللقطة الأبرز كانت في عدد “تعديل وزاري” حينما كُتبت مقلوبة، وكان الجانب التعبيري من المانشيت هو الأهم وهذا تعودت عليه دائمًا من أيام الدستور.
العامل المهم الذي أريد قوله إننا على عكس المتوقع لا ننظر إلى رد فعل الناس ونحن نقوم بهذا التجديد، لا أقصد أننا نتعالى على الجمهور ونقدم فنًا للفن أو نقدم أفكارنا الخاصة فقط، ولكن وظيفة الإخراج الصحفي هي توظيف الفن الجمالي لإيجاد علاقة واضحة تخدم المحتوى وتُبرزه، ومهمة المخرج الصحفي هي تفهّم المحتوى جيدًا حتى يؤدي مهته جيدًا.
وأنا أعمل لم أكن أضع في اعتباري أنني أول امرأة تتولى منصب مدير فني في جريدة مصرية، فقط كنت أعمل وتدرجت من مخرجة صحفية إلى نائب مدير فني إلى مدير فني، فقالوا لي ذلك بعدها، وعن نفسي فأنا “مجنونة” شغل، أحب أن أقدم كل تجربة مختلفة عن ما قدمتها قبل ذلك، وأسعدني جدًا تعليق الكاتبة الكبيرة سكينة فؤاد حينما قالت لي: “أنتِ أضفتِ لمسة أنثوية على الصحافة المصرية”، وما زلت أعتز بهذه الشهادة حتى الآن، حتى مسؤولي التوزيع كان يقول لي ذلك، وأن الأفكار والشكل مختلفين، وفي مهنتنا نعرف أن المخرج الصحفي اسمه محدود بين الوسط والزملاء ويختفي تقريبًا في نصيبه من الشهرة على الجريدة وكُتابها، ولكن هذه طبيعة المهنة التي نعرفها جيدًا وجميعنا يتقبل هذه الحقيقة، ولكن التقدير الأبرز يأتي من شهادة مماثلة، وأيضًا جائزة مصطفى أمين وعلي أمين لأفضل مدير فني لعام 2013، والتي ما زلت أعتز بذكريات يوم حصولي على الجائزة وأتذكر تفاصيله جيدًا.
أحب تجربة “الفريق” جدًا، وبالتأكيد تجربة جديدة فأن تتولى امرأة الإشراف على إخراج جريدة رياضية يجب أن تكون مختلفة، فأنا فقدت شغفي لمتابعة الرياضة منذ أحداث بورسعيد، ولكن كنت أتابع بدقة الجديد الذي يقدمه زملائي بما يتعلق بالأفكار الرياضية، وهذه النصيحة التي تعلمتها من أستاذي د.أحمد محمود وهي “نمي قدراتك البصرية”، لذلك حاولنا تقديم جريدة بمواصفات الجرائد الرياضية عالميًّا بما بها من حالة شعبية وزخم وتداخل ألوان، واستخدام ألوان يحبها الجمهور المصري مثل الأحمر والأخضر، ولكن في “فُرجة” فهذه أول مجلة أقوم بإخراجها، وأول مرة أتعامل مع هذا النوع من الورق ويجري تنفيذها حاليًا وستصدر قريبًا، بينما “المؤلف” قد يكون بها تشابهًا نسبيًّا مع شكل المقال وصفحة “المكتبة”، ويتم إعدادها أيضًا وستصدر بعد وقت قليل من إصدار “فُرجَة”، ومتحمسة لهذه التجارب جدًا وأتوقع أن تضيف روحًا مختلفة ومتنوعة للصحافة المصرية.