شاركت مثل كثيرين في حملة إيقاف برنامج ريهام سعيد “صبايا الخير”، دعوت المشاهدين لمقاطعة القناة، ودعوت المعلنين لسحب إعلاناتهم.. شاركت كما شارك الآخرين لإيقاف مهزلة إعلامية عمرها أعوام قدمت خلالها محتوى يضر بعقول المصريين ويغيب وعيهم. وبكل تأكيد أسعدني قرار القناة بإيقاف البرنامج رغم ثقتي بأن القرار هو مجرد محاولة لاحتواء الحملة الشرسة، وليس لاقتناع الإدارة بأن ريهام التي يضر برنامجها ملايين الجنيهات قامت بجريمة تستحق العقاب، لإن ببساطة ما قدمته ريهام في حلقة فتاة المول لا يقل بشاعة عن محاورتها لقصر تم الاعتداء الجنسي عليهن، وغيرها من الجرائم الإنسانية التي ارتكبتها ريهام دون أن ترى إدارة القناة أي مشكلة في ذلك.
كنت أعرف إن الأمر لن يستمر، وإن ريهام لن تبتعد عن الشاشة كثيرا، فحتى لو قررت قناة النهار إيقاف البرنامج لأجل غير مسمى، فمن المؤكد أن عشرات القنوات الأخرى ستقدم عروض لريهام صاحبة نسب المشاهدة العالية بالانتقال إلي شاشتها. كما كنت أعرف أن وسائل التواصل الاجتماعي لن تنجح في إيقاف البرنامج إذا عاد مرة أخرى، لإن مستخدمي تلك المواقع في الأغلب يفقدون حماسهم بمنتهى السهولة، وتلهيهم الأحداث المتسارعة عن متابعة القضايا الهامة التي كانوا متفاعلين معها منذ أيام قليلة، هذه هي طبيعة تلك المواقع، ولا يجب أن نحمل المستخدمين ما لا طاقة لهم به. وإن كنا لا نستطيع أن نعيد الكرة، فعلى الأقل نحن مطالبون بالتعلم من تلك التجربة حتى لا نكرر الأخطاء مرة أخرى.
إذا نظرنا للحملة المطالبة بمنع ريهام سعيد، سنجد إنها اخترات الهدف الخاطئ منذ بدايتها. لقد سعت الحملة لإيقاف البرنامج ومنع الإعلامية، واستخدم المشاركين أهمية الجمهور للمعلنين ليكون كارت الضغط على الشركات وبالتالي القناة. لكن وسط الحماس وحالة الغضب التي انتابت المشاركين، لم يلاحظ أحد إن نسعى لتحقيق هدفنا النبيل من خلال سلاح المنع والإيقاف، وهو ما سيرفضه أغلبية المشاركين لو كان موجه تجاه إعلامي أخر يحبونه مثل باسم يوسف أو يسري فودة أو ريم ماجد على سبيل المثال. فالأمر يشبه رفض العنف والانتهاكات الذي يتعرض لهما المعارضين ثم الاحتفاء بضرب الإعلاميين الذين نختلف معهم، أو رفض التسجيلات التي يقدمها عبد الرحيم علي في برنامجه، بينما لا نعترض على تسريبات مبارك أو السيسي أو أحمد شفيق .. إنه نوع من الإزدواجية المبررة، مبررة لإن الشخصيات المذكورة ليس من المتاح محاسبتها أو النيل منها بالطرق المشروعة، مبررة لإن هؤلاء على جانب السلطة التي تستطيع أن تنال ممن يقفون في طريقهم، لكن ذلك كله لا يمنع إنها ازدواجية، وإننا نسمح بتجزئة المبادئ حتى لو كان لهدف نبيل أو للتصدي لأهل الشر.
قبل أن تقولها، أعرف إننا لسنا أنبياء أو ملائكة، بل نحن بشر نخطأ أكثر مما نصيب، وإن كان هناك ما ينقصنا، فهو التعلم من تلك الأخطاء. لقد بذلنا كل هذا الجهد لكي نقطع أحد رؤوس هيدرا، وفرحنا بذلك دون أن ندرك بأن سينمو لها رأسين بدلا من الرأس المقطوعة. وإن كنا سنخرج من تلك المعركة بدرس مستفاد، فهو أن علينا أن نختار معاركنا جيدا، علينا أن نركز على قطع الطريق الذي يسمح بتلك الممارسات غير المهنية والتي تشكل أكثر من نصف ما يقدم على شاشات الفضائيات. كان علينا أن نركز هجومنا على تفعيل القوانين والدستور التي لا تطبق على أرض الواقع، كان علينا أن نخوض المعركة من أجل حق المواطن في عدم انتهاك حريته الشخصية، سواء من خلال نشر صوره أو مكالماته، أو التشهير به دون دليل.
إننا ببساطة لا نحتاج لميثاق العمل الإعلامي الذي وعدتنا به الدولة منذ أكثر من عام ورغم ذلك تحبسه في الدرج، ولا نحتاج أن نمارس الوصاية على برنامج تلو الأخر حتى نخفف من أضرار ذلك السيرك الإعلامي، فلا يصح أن يتحول قطاع من المشاهدين إلى لجنة رقابة على الإعلام حتى وإن كانت الدولة تقصر في أداء دورها تجاه ذلك الأمر. إن دورنا كمواطنين أن نضغط على الدولة كي تطبق القانون والدستور، أن نوجه جهودنا للطريق الذي لا يسمح لرؤوس هيدرا بالنمو مرة أخرى.