“قامت الدنيا ولم تقعد”.. هذا التعبير الذي يُقال للإشارة إلى تبعات حدث جلل يستحق الاهتمام لفترات طويلة، أنهى الإعلام المصري فرصه في البقاء، وأصبحت الدنيا “تقعد عادي جدا” مهما زادت ضخامة الحدث الذي تتناوله وسائل الإعلام بشكل عام، في وقت واحد، بالتحليل والتنظير والبحث عن الأسباب، وحتى المطالبة بعقاب مُقصّر، أو محاسبة مسئول، أو تغيير طرق تقديم خدمة وتحسينها، لتترك بعدها القارئ أو المشاهد لا يعلم ماذا حدث بعد ذلك، وما هي النتيجة بعد كل ذلك “الرغي”.
وبشكل خاص، فإن برامج التوك شو المسائية باتت تعتمد على الإثارة اللحظية، ويسلك القائمون على كل منها طريق النسيان مع نزول تتر البرنامج ونهاية المطاف بالمذيعين والمعدين إلى منازلهم في المساء، في انتظار الحدث الجديد الذي سيشغل يومهم التالي، وهو نفس التفكير بالنسبة للمسئول عن وقوع حادث يفجع المصريين، فلا بأس من مداخلة هاتفية أو حتى لقاء في الاستوديو، يتوعد بالمحاسبة وقطع يد الفساد وتغيير المنظومة وتشكيل لجان وعشرات الوعود، ثم يظهر بعدها يتحدث بنفس المنطق ويكرر نفس العبارات عن حادث جديد، وغالبا يكون وقع لنفس أسباب سابقة.
عزيزي القارئ، هل تتذكر أصداء حكم براءة مبارك الذي صدر منذ أيام وتابعته كل وسائل الإعلام؟، حسنًا.. إرجع بذاكرتك قليلا للوراء، وتذكر حادث انهيار صخرة الدويقة، والعبارة السلام 98، وحوادث القطارات والمزلقانات، وحوادث أتوبيسات المدارس، لا؛ بل تذكر انهيار عقار الإسكندرية أو مدينة نصر أو حتى المطرية، والتفجيرات وحوادث الاغتيال والهجوم على قوات الشرطة والجيش، وعشرات الحوادث المماثلة، واسأل نفسك: “هل شاهدت كمية الصراخ من المذيعين والمذيعات على الضحايا وتنديدهم بالمسئولين؟ هل أعجبك حماسهم عند المطالبة بالضرب بيد من حديد؟.. وهل أصابك قدر من التفاؤل من جراء الوعود البرّاقة بمتابعة ما يسموه دائما بـ”الملف”؟
بعد إجابتك على تلك الأسئلة.. استرح قليلا.. وتأكد أنه لا تمت محاسبة أحد ولا إقالة آخر ولا تم معرفة سبب حقيقي وراء تلك الكوارث، ولا عمل أحدهم على تصحيح الخطأ المسبب له، ولا تابع مذيعك المفضّل الملف، لأنه “مش فاضي وعنده ملفات تانية”، أما محصلتك كمشاهد هي مناظر الدماء ووجع قلبك على الضحايا وتصديق المذيع المثالي الذي ادعى أن من سقطوا بمثابة إخوته وأبناءه.
ورغم السلبيات الواضحة في برنامج “صبايا الخير”، الذي تقدمه الإعلامية ريهام سعيد، في المضمون والأداء، إلا أنها قد تختلف في هذا الأمر، وتهتم بمتابعة بعض القضايا، التي تجعل منها “قضية رأي عام”، على مدار عدة حلقات كما فعلت في قضية الطفلة “زينة” التي تعرضت للاغتصاب والقتل، وبعض المرضى الذين تستحق حالاتهم متابعة بعد العمليات الجراحية وغيرها، وهي الميزة الوحيدة في البرنامج التي تضعك كمشاهد في الصورة مع صاحب المشكلة أو المريض وتجعلك تعرف إجابة السؤال الخفي دائما “ماذا بعد؟”، وربما ساعدها في ذلك أن تلك المساحة التي تأخذها تدخل في إطار برامج النجم الأوحد، صاحب الرأي والقرار في كل أمور الحلقات، وربما يدفعها تعاطفها إلى متابعة تلك الحالات على مدار عدة حلقات، وتدفع جمهورا مهتما بالقضية لانتظارها حتى يعرف إجابة نفس السؤال.