محمد صلاح البدري يكتب: حين تتظاهر بالحياة!!

أعرف هذه القصة جيداً.. ولهذا لم أندهش أو تصيبني حمي “ردة الفعل” الشهيرة التي تحكم عالمنا مؤخراً.. والتي تحول كل نقاش إلي مراحل متعددة من الهجوم و الدفاع .. و ينتهي الامر دوماً بخصومة لا داعي لها من الأساس..!

إنه ذلك المسئول المنتشي الذي يبحث عن “تلميع” جيد يضمن له البقاء علي كرسيه الفاخر لأطول فترة ممكنة.. والذي يجد ضالته في الأغلب داخل جدران المستشفيات الحكومية..ولم لا  وهي المكان الأمثل للبحث عن السلبيات و إنتقادها.. هناك سيجد طبيباً مسكيناً حديث الخبرة ..تتساقط علي جبهته قطرات العرق .. و يعتريه الإرتباك من كل هؤلاء السادة الذين يرتدون البدل الفاخرة .. و سيجد مريضاً قتله الفقر قبل أن ينهش الإسهال و الحمي في جسده يصفق له حين يراه يمر و ينتقد .. لن يخلو الأمر من شكوي لأحد المواطنين يسمعها بإهتمام مصطنع.. ثم يصدر أوامره إلي مجموعة الحمقي -الذين يتبعونه أينما ذهب- بحل تلك المشكلة فوراً .. وفي الأغلب لا يتم حلها قط .. فقط هي الحبكة الدرامية التي تقتضي هذا.. سيبدو شكله في الصحف و علي الشاشات أفضل إذا ما ظهر سيادته وهو يصدر أوامره إليهم في حزم..يعرف جيداً هذا … و لهذا فهو يفعلها..!

لم تكن المشكلة في سيادة المسئول الذي  يتعمد دائماً عدم النظر الي الكاميرا التي تصور زيارته فقط ليبدو طبيعياً.. و الواقع أنه لو كان الأمر بيده لرقص طرباً أمامها.. و ربما رفع يده ليحيي أسرته في مشهد عبثي.. و لم تكن أيضا في ذلك الشاب المسكين الذي يعاني يومياً منذ الصباح الباكر بين أطنان الأمراض التي ينجح في تشخيص بعضها.. و يفشل في تشخيص الأكثر منها.. و لكنه يكتب علاجاً ثابتاً في كل الأحوال.. إنه يؤدي عمله الذي ينبغي عليه أن يؤديه.. و لكن أحدا لا يهتم أن يطمئن إذا ما كان يجيده أم لا..!

المشكلة مختلفة تماماً.. إنها تلك المنظومة العتيقة التي تصر الحكومة علي أن تديرها بنفس الطريقة.. و التي يحرص السادة المسئولين علي إظهار إهتمامهم بتطبيقها.. و لا يعنيهم إذا ما كانت تفيد المواطن أم لا.. فالطبيب المسكين الذي لا يملك من الامكانيات شيئا ..والذي يجلس في غرفة سيئة التهوية و يكافح لتنظيم هؤلاء البؤساء الذين يقفون خارج الحجرة .. يعرف جيداً انه لن يفيدهم بشيء تقريباً.. و لكنه يحاول أن يبدو الامر حقيقياً..

إنه يتظاهر بالكشف علي المرضي.. و يتظاهر بالتفكير في نوع العلاج.. ليمد يده و يخط نوعاً واحداً أو نوعين من العلاج لا يملك سواهما في تلك الوحدة الصغيرة..!! و لن يستفيد منهم معظم مرضاه في الاغلب!!

حتي المرضي يعرفون تلك الحقيقة .. إنهم يدركون جيداً أن طبيبهم الشاب لن يكشف عليهم من الاساس… و أن علاجه لا يصلح لحالتهم التي أتوا من أجلها لتلك الوحدة الصحية البائسة.. فقط يتظاهرون أنهم يبحثون لديه عن علاج..فقط ليحصلوا علي ذلك العلاج المجاني ليحتفظوا به في المنزل علي سبيل الاحتياط..

حتي سيادة المسئول المهم.. إنه يتظاهر أنه يتابع الأداء.. فقط لتكتب عنه الصحف و يجد مكتبه الإعلامي ما يروجه من صور عن إهتمام و نشاط سيادته..في الأغلب لا يهتم سيادته بسؤال الطبيب عما ينقصه من امكانيات.. ولا يهتم ان يجد طريقة للسيطرة علي الإزدحام الواضح خارج الحجرة الصغيرة المظلمة.. فقط يجب ان يوبخ الطبيب المسكين لأنه لا يمارس عمله بجدية.. !

إنه طبيب يتظاهر أنه يعمل.. و مريض يتظاهر أنه شفي.. و مسئول يتظاهر أنه يقوم بعمله حتي يستطيع أن يبلغ رؤسائه أن “كل شيئ تمام”… حتي الذين يغضبون من هذا المسئول علي مواقع التواصل الإجتماعي أو علي صفحات الجرائد لا يغضبوا بالفعل و إنما يتظاهرون بالغضب..  فقط ليجد الاعلام ما يتحدث عنه.. و يجدوا هم ما يزجي وقتهم..!

الجميع يتظاهر طوال الوقت.. كل في موقعه.. لينتهي الأمر أن نصبح وطن لا يحيا..وإنما يتظاهر بالحياة!!

اقـرأ أيـضـًا:

محمد صلاح البدري يكتب:باسم يوسف..والذين أصابتهم لعنة الضحك!

محمد صلاح البدري يكتب: حادث باريس.. من سيدفع الثمن؟!

 محمد صلاح البدري يكتب: حين تشاهد “تلفزيون الدولة”!! 

محمد صلاح البدري يكتب: الدروس الأولى ..دوماً قاسية !!

محمد صلاح البدري يكتب: المذيعة الشقراء.. وبضاعتها التي لا يتلفها الهوي!!  

محمد صلاح البدري يكتب: د.أحمد خالد توفيق.. أسطورة صاحب الأساطير !!  

.

تابعونا علي تويتر من هنا

تابعونا علي الفيس بوك من هنا