كم مرة كتب أحد لي و لغيري من الزملاء هذه العبارة ” يا أستاذة كوني منصفة ” اعتراضا ليس على رأي خاص أو تعليق بل أحيانا اعتراضا على نقل خبر على حساب خاص على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، بالطبع هناك صياغات أقل تهذبا لنفس المعنى ، … في العادة الترجمة الحرفية لهذه العبارة و لمفهوم الانصاف من وجهة نظر كاتبها هو الانحياز لوجهة نظره و التعبير عنها أما ماعدا ذلك فهو انحياز و قلة مهنية .
ليتجاوز تقييم الخبر هنا معيار أنه حقيقي أو كاذب ليصبح معياره هل يعجب صاحب التعليق و يصب في مصلحة و جهة النظر التي يدعو لها أم لا .
الأغرب من ذلك هو أن تكون انت شخصيا في موقع الحدث و تشهد على الواقعة بالصور و تجد من يكذبك من وراء البحار محتجا بأن ” الجماعة ميعملوش كدة ” ، أتذكر أنني كنت أدلي بصوتي في احدى اللجان على دستور 2012 و تصادف أنها اللجنة التي أدلى بصوته فيها خيرت الشاطر و هتفت السيدات ضده و ضد حكم الاخوان و وصفوه بالقاتل و طردوه من اللجنة و هو وسط حراسه الذين حاول أحدهم أن يهتف للجماعة لكن صوته ضاع وسط هتافات السيدات ، و لأن المهنة تحكم فقد كتبت ماحدث على حسابي الخاص و دعمته بصورة خيرت الشاطر يخرج مسرعا وسط حراسه و كان منهم الحارس الذي اتهم بحمل السلاح و تنصلت منه الجماعة لتصبح الصورة نفسها التي نقلتها معظم الصحف دليل على انتمائه لهم.
المهم انني بعد نشر الواقعة بالصور فوجئت بالهجوم الكاسح من الاخوان و بعضهم من دول أخرى تجزم بكذب الواقعة التي شهدت عليها بنفسي !
لكن هل الامر خاص بالإخوان وحدهم ؟ أم أن الأمر تطور ليطال الجميع أيا كان المعسكر الذي يتخندق فيه صاحبه ؟
ربما كان هذا الوقت هو الأصعب الذي يمر على مهنة و جدت نفسها طرفا في لعبة سياسية لتتحمل أخطاء السياسة و الاعلام في وقت واحد ، و ليصبح ممارسة العمل الإعلامي بالمعايير التي تعلمناها مغامرة غير مأمونة العواقب، فلم تعد وظيفته الأساسية هي الإخبار ، فلا أحد يريدك أن تخبره إلا بما يحب أن يحدث ، فما بالك بالرأي أو التحليل !
راقب مثلا النقاشات على مواقع التواصل و التعليقات على المواقع الالكترونية لتجد أن تقييم عمل المذيع أو الصحفي عند الكثيرين ليس تقييما لمدى احترافية عمله أو قدرته على الوصول إلى المعلومات و عرض مختلف الأراء بقدر ما أصبحت تقييما لتصورات المشاهد عن أرائه و عن الدور ( السياسي ) الذي ينبغي أن يلعبه من وجهة من وجهة نظر هذا المشاهد أو ذاك القارئ
فهل بات على الإعلامي أن يكون معبرا عن تيار سياسي حتى يدافع عنه أصحابه ؟
أم عليه أن يبقى منتميا لحزب الشارع الذي يريد أن يعرف و يفهم الحقائق ليكوَن وجهة نظره بعيدا عن الوصاية عليه
و اذا كان ما صاغه أجدادنا في صورة حكمة مثل أن الغرض مرض ، و أن آفة الرأي الهوى ، فإن أحدا لم ينج من هذا الآفة لتصبح الحقيقة هي الضحية في كل مرة سيحبك المسئول اذا تحدثت عن إنجازاته فإذا واجهته بالتقصير سيقول انه يرحب بالنقد البناء و بالطبع النقد البناء من وجهة نظره لا يشمل الأسئلة عن التقصير ، و ستصبح الإعلامي المفضل لممثلي تيار سياسي أصبحت لسانا له فماذا عن رب عملك الحقيقي ، مشاهد يثق فيك و يريد أن يعرف
عذرا فليست وظيفتنا أن نرضيكم لكن وظيفتنا أن نزعج الجميع