أحمد الدريني : معظم التحقيقات الاستقصائية "مصابة" بالسرطان
أنس هلال
قال الكاتب الصحفي أحمد الدريني، إن بداية التحقيق الذي قام به حول ناقلات النفط منذ عام تقريبًا، وأصبح موضوعه حديث الصحافة العالمية حاليًّا، جاء من خلال متابعته لأحد التقارير المنشوره في وكالة “رويترز”، ووجود أحد السطور في النسخة الإنجليزية من التقرير في حين لم تتم ترجمته في النسخة العربية ، مضيفًا: “في هذا السطر تحديدًا كانت معلومة عن اختفاء ناقلة نفط في مصر، وهذا ما قادني إلى سؤال طفولي –بعض الشيء- وربما ساذج: إزاي ناقلة تختفي؟، فنحن نتحدث عن ناقلة نفط ليس من السهل اختفائها بهذه السهولة، واكتشفت أن الناقلة اختفت في مصر مرتين، ماذا حدث؟، وما الملابسات؟، لا توجد أي إشارات، تابعت القضية واكتشفت أن الصحافة الإسرائيلية اهتمت بالأمر، لأن هذه الناقلات ظهرت بعد قبالة السواحل الاسرائيلية”.
وتابع الدريني في تصريحات لـ”إعلام.أورج“: “هذا التحقيق الذي نشرته منذ عام تقريبًا ، لم أكن أعلم أنه سيقودني إلى مغامرة جديدة تمامًا لم أكن أتخيلها، واكتشفت- معه- أن هذه الناقلات تغلق جهاز التتبعAIS، حتى تكون غير مراقبة من الرادارات والأقمار الصناعية، ومن هنا بدأت في تحديد المسارات ووضع الفرضيات والشكوك.
وخلال ثلاثة أشهر استغرقها التحقيق من منتصف أغسطس إلى نصف ديسمبر 2014، كتبت فيها 5 مقالات حول هذا الأمر، وكنت أتابع جيدًا ما تنشره الصحافة الإسرائيلية والأمريكية والتركية عن حاملات النفط وأستوعبها جيدا وأسجل على هامشها ملاحظاتي الخاصة.
وعن الصعوبات التي واجهته يتابع الدريني: “واجهتني مشكلة واضحة في اللجوء إلى مصادر، فكنت أتحدث مع خبراء بترول فيوجهوني إلى أساتذة نقل بحري، فيقولون لي أنهم لا يعرفون كيف ذهبت الناقلات من نقطة إلى أخرى، ويطلبون مني سؤال أحد الخبراء في الشؤون الأمنية والعسكرية، وحينما تتحدث مع بعضهم تجد أنهم لا يفهمون البعد السياسي والبعد الاقتصادي الذي أقصده، لذلك مع الوقت كنت أمام أن أكون مصدر لنفسي وأتعامل بلا وجهة محددية، واستفدت جدًا من أحد أصدقائي الذين يعملون بمجال النقل البحري وأطلعني كثيرًا على الأمور التقنية التي تتعلق بناقلات النفط.
وأوضح الدريني أن الجزء الثاني من التحقيق، كان قد بدأ في إعداده عقب خطاب رجب طيب أرودغان الذي قال فيه إنه يستعد لتقديم استقالته إذا أثبت أحد وجود تعاملات نفطية بين بلاده و”داعش”، وبعدها عقدت وزارة الدفاع الروسية مؤتمرًا أشارت فيه إلى تورط تركيا مع “داعش”.
غير أن الجدير بالذكر-والكلام على لسان الدريني- أن الصحافة العالمية قدمت كثيرًا من التحقيقات التي بُذل بها جهد حقيقي واضح بإرسال مراسلين للحدود التركية السورية لرصد أعمال التهريب ، مشيرا إلى الفارق الذي يفرق ما وصل إليه من نتائج قبل عام وما أعلنته وزارة الدفاع الروسية في مؤتمرها: “هذا ما جعلني أمام اختبار جديد وفارق كبير بين إمكانات فرد وإمكانات دولة، وكان السؤال الأبرز هو كيف أصنع زاويتي الخاصة بعد كل ما تم نشره من تحقيقات، خاصة وأن الجزء المادي الذي بنيت عليه الجزء الأول من تحقيقي قبل عام وهو تكنيك مراقبة15 ناقلة تحديدًا كانت تتحرك من ميناء جيهان التركي ثم يختفون، فربطت الأمر باحتمالية أن يكون ذلك ضمن خطوات احترازية قامت بها الدولة التركية، وقمت بعرض المعلومات التي أملكها”.
وتابع الدريني: ” وجدت بعض المعلقين الأتراك على “تويتر” يسفهون ويسخرون مما أكتب، ولكن أهم ما كان يعنيني هو أن يصل صوتك، ولكن الأمر يتعلق بسياقات كثيرة فأنا قلت الكلام الذي تقوله روسيا منذ عام مضى، ولكن حينما طرحت روسيا نفس الكلام كان الاهتمام مغايرًا، وأعتقد أن مصر لو كانت دولة قوية في محيطها العام أو نفوذها السياسي، كان يمكن أن يأخذ التحقيق مسارات أخرى ويتم الالتفات له من البداية”.
واختتم الدريني تصريحاته بعرض مشكلات هذا النمط من التحقيقات في مصر، قائلًا: “للأسف أصبحت أغلب التحقيقات الاستقصائية المصرية تحاول الإتيان بأي شئ ثم إثبات أنه يسبب السرطان، هذا أصبح مفهوم التحقيق الاستقصائي عندنا، ولكن بالنسبة للتحقيق الذي قمت به، أعتقد أنني لم أكن سأكتبه قبل ذلك بخمس سنوات، أو قبل أن أصل إلى مرحلة من الاستقرار المهني والنفسي والمالي، حتى أتابع أمر ما لمدة ثلاث شهور متحملًا كل النفقات والوقت لمتابعة هذا التحقيق، وأرى أن التحقيق يعد أهم تحقيق قدمته حتى الآن، ولكن لا يمكن أن أطلق عليه تحقيق عمري لأني أؤمن بمقولة أن أجمل القصائد لم تكتب بعد، وبالتأكيد سأظل أبحث حتى أصادف فكرة جديدة تستحق متابعتها لتكون موضوع التحقيق الجديد”.