عقب توزيع جوائز أريج السنوية لأفضل التحقيقات الاستقصائية مساء يوم الأحد الثامن من ديسمبر، كان غريبا بالنسبة لكثير من الصحفيين المصريين أن يهتم موقع “إعلام دوت أورج” بالكتابة عن “تصفيق يسري فودة على أغنية المرجيحة”، وخروج “ريم ماجد من القاعة غاضبة بسبب بشرة خير”، دون أن يهتم بالإشارة إلى أن هناك أثنان من الصحفيين المصريين فازوا بالجائزة الاستقصائية الأهم في المنطقة العربية “هما الزميلان الموهوبان سعادة عبد القادر “المركز الثالث في الصحافة الاستقصائية المكتوبة” عن تحقيق معمق عن “فوضى شون القمح”، وعبد الوهاب عليوة في المركز الثالث في فئة التحقيق التلفزيوني عن استقصائي جرئ باسم “المتحولون جنسيا”.
لكن الموقع الوليد- والمبشر حقيقة بتقديم خدمة إعلامية مغايرة- من حقه أن يختار الأخبار التي “تجر الرجل”، لأنه وبكل تأكيد فإن “مرجيحة يسرى فودة” ستجلب قراء أكثر بكثير من “قمح سعادة عبد القادر”، وإن كنت أظن أن عنوان مثل “فيلم عن المتحولين جنسيا في مصر يفوز بجائزة “، يمكن أن ينافس مرجيحة يسري فودة بقوة!
على كل، لأني أعتز بتجربة “إعلام دوت أورج” وبرئيس تحريرها متعدد المواهب، وحرصا على أن لا يتورط قارئ من إياهم في “تشيير” الأخبار معلقا “دخلة نارية..شوف الصحفيين ولاد الإيه بيرقصوا في بلاد بره”- مع أن الأردن جنبنا يعني.. ساعة بالطيارة- فهذه هي شهادتي على “ليلة رقص فيها الصحفيون في مؤتمر أريج”.
كانت هذه هي المرة الأولى التي أشارك فيها في مؤتمر أريج، ويبدو أن هذا من حظي الطيب “النادر عادة”، إذ أن الملتقى السابع كان الأكبر منذ تأسيس أريج عام 2005، بمشاركة 320 صحفيا وإعلاميا وأكاديميا عربيا وأجنبيا، وبحضور سيمور هيرش عميد صحافة الاستقصاء في العالم صاحب بوليتزر وأحد أسباب تراجع التأييد الشعبي الأمريكي عن حرب فيتنام، ومفجر فضيحة سجن أبوغريب في العراق عام 2004،.. حسنا.. ما الذي جعل الصحفيين يرقصون وسط كل هذا؟
عقب إعلان الجوائز السنوية التي تمنحها المؤسسة لأفضل التحقيقات الاستقصائية، ارتجت القاعة بالفرح، وقد تحمس الجميع أولا بسبب جدية التحقيقات الفائزة، وثانيا لأن الفائز الأول في التحقيق المكتوب كان صحفيان من سوريا هما مختار إبراهيم وأحمد حاج حمدو، وقد أنجزا تحقيقا مهما من داخل بلادهما المنقسمة في حرب مجنونة منذ ثلاثة سنوات بعنوان: “الاغتراب المزدوج.. شبكات تستولي بالتزوير على عقارات نازحين ومهجرين”، الصحفيان الفائزان، ورغما أنهما من العاصمة دمشق ومن المنطقة التي لايزال يسيطر عليها النظام السوري، طلبا من كل زملائهما السوريين المتواجدين في المؤتمر، بالصعود إلى المنصة للاحتفال بفوز “سوريا”. خاصة وأن هذه كانت المرة الأولى منذ بدء الصراع في بلادهم التي يتجمع فيها صحفيون من مناطق يسيطر عليها النظام، ومناطق أخرى تسيطر عليها المعارضة.. هل تتخيل إذن الرعشة التي سرت في أجسادنا جميعا، وكيف منع البعض دموعه بصعوبة بسبب رهبة اللحظة والاستشعار بقيمة الصحافة التي تجمع من تفرقهم الحروب؟
هذه واحدة، أما الثانية، فكانت أن الفائز الثاني بالجائزة في المسابقة ذاتها كان “رشا الكيلاني” وهو اسم مستعار لصحفي أو صحفية- لا نعلم- انجز تحقيقا جرئيا عن فساد رئيس الوزراء العراقي السابق “نور المالكي” وكيف أنه يشتري ذمم السياسيين بالمال والأرض المملوكة للدولة، أُنجز التحقيق والمالكي في السلطة، لذا نشر الصحفي الشجاع تحقيقه المعمق، باسم مستعار وباللغة الإنجليزية وفي موقع أمريكي هو www.100r.org، خوفا من استهدافه بالقتل من رجل العراق القوى والطائفي، لك طبعا أن تتوقع أن الصحفي أو الصحفية “رشا” لم يستطع أن يحضر ليتسلم جائزته، لأن المالكي ترك منصبه صحيح كرئيس للوزراء، لكن ليصبح نائبا لرئيس الوزراء العراقي!
هكذا ومن قلب البؤس الذي تعيشه سوريا والعراق، خرج منهما هذا النور، الذي يعطي الأمل في أن الصحافة يمكن أن تكشف الفاسدين وتعريهم وأن تحقق نصرا- ولو مؤقتا- على من يريدون دفن الحقيقة دون حتى قراءة الفاتحة على روحها.
فلما انتهى حفل توزيع الجوائز بفترة، وعقب تبادل التهاني بين الصحفيين العرب، انسابت الأغاني عبر سماعات “الدي.جي” في القاعة، وتدريجيا بدأ الصحفيون والمشاركون في التصفيق، ثم صعدوا إلى مقدمة القاعة، في احتفال تلقائي ومبهج بالفائزين وبأنفسهم، وفي نفس الوقت، اقتناصا من الزمن لدقائق مفرحة بلا ضغوط أو رقابة أو خوف من مسئول أو رقيب أو قاتل محترف.. رقص من رقص على خليط من الأغاني المصرية والتونسية والشامية واليمنية، وبعضهم فعل ذلك مرتديا ملابس بلاده الوطنية مفتخرا بهويته و”مزيكته”، فعلوا ذلك لنحو ساعتين تحرروا فيها من الزمن ومن متاعب مهنة ثقيلة على القلب والروح والعقل، والمدهش بالنسبة لي لم يكن في حال البهجة الجماعية، وليس في أن أغنيات شعبية مصرية أصيلة مثل أغاني المهرجانات ودويتوهات محمود الليثي وبوسي، يحفظها صحفيون عرب، وإنما في أن الجميع تفاعل مع كل الأغنيات من كل البلدان العربية حتى تلك المغرقة في فلكور محلي.
هذه إذن حقيقة ما جرى في تلك الليلة التي رقص فيها الصحفيون في أحد فنادق عمَان، ولعل الأمر الآن يدفع البعض لأن يقول لنفسه- مستلهما ذكريات فيلم “الطريق إلى إيلات”- “ياريتني كنت معاهم”.
تعليق أول وأخير من إعلام دوت أورج
• من البداية نعلم أن الموقع يسير على طرق مليئة بالأشواك بسبب الحساسية المفرطة في تناول كواليس الوسط الإعلامي في مصر، لكننا لم نتوقع أبدا أن يكون أول الغاضبين من أبرز دعاة حرية التعبير والنشر.
• نحن سعداء للغاية أن مقال الزميل محمد عبية لم يتضمن نفياً للخبرين اللذين آثار كل هذه الضجة، وطالبنا كل من اتصل للعتاب بأن يرسل نفيا باسم ريم ماجد وسننشره ولم يحدث .
• نعم أي موقع إخباري سواء كان وليد أو قديم يهمه الأخبار اللافتة للانتباه، هذه هي صنعة الصحافة وستبق، لكن المحك دائما هل الخبر صحيح أم لا.
• نشرنا العديد من الأخبار عن ملتقى أريج قبل خبر ” بشرة خير تثير غضب ريم ماجد” وخبر ” مفاجأة يسري فودة ..الدنيا زي المرجيحة” ولم يهتم بها الزملاء هناك، أي أننا كصحفيين مثل القراء تهمنا الأخبار المختلفة والخاصة، ونعم لم ننشر خبر الجوائز وهذا تقصير منا بسبب قلة الإمكانات وحاولنا طوال الوقت الاستعانة بمتعاونين من الأردن للمتابعة قدر المستطاع .
• لو أن رئيس الجمهورية حضر حفلا ما وصفق لأغنية شعبية ستنشر كل الصحف الخبر ولن يعترض أحد، ولو أصدرت الرئاسة تعليمات بعدم النشر ستواجه بحملة نقد عنيفة، فكيف ننقد الفعل ونأت بمثله؟
• تعرب إدارة الموقع عن استيائها الشديد من المحاولات المبذولة منذ مساء أمس لمعرفة اسم مصدر الخبر، وهي محاولات نعتبرها نحن الصحفيون اهانة لنا فكيف نقوم بها؟
• أن تمنحنا هذه الأزمة “العابرة” مقالا من الكاتب المحترم محمد هشام عبية والموقع لم يكمل أسبوعه الثاني بعد ..فهذه بحق “بشرة خير”.