مازلنا نعاني من كل ما كنا نعاني منه من قبل الثورة، مازلنا نتخبط في كل ما كنا نرفضه قبل الثورة، ما زلنا مستمرين في المعاناة ذاتها والرفض ذاته لسلوكيات واضطهادات وتضييقات ما قبل الثورة، قد تسأل أي ثورة أعني ؟ والإجابة هي أي ثورة تؤمن بها سواءً 25 يناير أو 30 يونيو أو حتى 23 يوليو. كل تلك الثورات لم تنجح في القضاء على مسبباتها من اضطهاد وتمييز وكسل وخمول وعدم تحمل مسئولية بل بالعكس فإن كل ذلك ما زال موجوداً وإن ارتدى حلة جديدة أو تسمى بأسماء مغايرة.
في فترة وجيزة تكشفت فيها احداث القتل بالتعذيب وهو أمر رفضناه في اثناء حكم مبارك وثرنا عليه، ولم تكن حادثة واحدة في موقع واحد وإنما كانت ثلاثة أو أربعة حوادث في مواقع مختلفة. ترى هل تغيرت عقيدة الداخلية بالفعل وهو تصريح نسمعه ونقرأه منذ حكم المجلس العسكرى. وفي نفس الفترة أيضاً تكثر حوادث البلطجة والتي كانت قد بدأت في الانحسار بعد أن كانت في أوجها من بعد تنحي مبارك عن الحكم وغياب الداخلية. خفت قبضة الداخلية عن البلطجة وإن اشتدت على الافراد في الشوارع كما حدث في مواضع عدة أشهرها ما تم تصويره من قبل الأهالي في دريم لاند لاعتداء ضابط على سائق لخلاف على أولوية المرور في شارع ضيق – وغيرها من الحوادث التي تظهر عودة ظواهر ما قبل يناير 2011.
ومن الشارع الى البرلمان وكمية الخروقات التي حدثت من جانب المرشحين وأنصارهم في الانتخابات البرلمانية، فشهدنا من نجح بالرغم من الرفض الشعبي لسلوكياتهم وتصريحاتهم، ونجحوا بهزيمة أطراف أخرى لم تتبع نفس النهج ولم تقدم رشاوى أو تنقل الناخبين الملاكي بالحافلات ولم يقوموا بالترويج الزائف لأنفسهم في الفضائيات. نجاح هؤلاء مازال مرفوضاً ومثار للسخرية من البرلمان على شاكلة برلمان الأخوان الذي امتلاء بالأعاجيب من نوم وآذان يرفع في الجلسات وتوزيع حلوى الهولز من رئيس البرلمان للأعضاء. رفضا وثرنا على ذلك كله وها نحن نشهد ما يشبه ما ثرنا عليه في يونيو 2013.
انظر لسلوكيات البشر في الشوارع لا تجد إلا أن الكل يسعى لخطف ما يستطيع ليس لضعف حاله ولا ليسكت جوعه فقط، وإنما ليتفوق على الآخرين فيما جمع ويشفي ظمأ طمعه، منطق اناني حيواني متدني، يظهر ذلك جلياً في ابسط الأمور حتى في النزاع الخفي على حارة مرورية يحاول أن يقتنصها لنفسه لأنه يرى أنه الأولى بالمرور من الآخرين. كان من المفترض أن يحدث تغيير في سلوكياتنا نحن من يعيشون على هذه الأرض ونحن من قمنا بالثورتين من أجل حياة أفضل، لكن ما يحدث منا الآن لا يجعلنا نستحق ما طلبناه من عيش وحرية وعدالة اجتماعية، وإنما يجعلنا نستحق ما نعيش فيه فلا يصلح الله ما بقوم حتى يصلحوا ما بأنفسهم. نحن من ثرنا، ونحن من تنازلنا عن تحقيق احلامنا السوية، ونحن من فرطنا بأنانية في مطالب الحياة الكريمة،وقبلنا بالرشاوى الفردية ، ولم نرفض السلوكيات السلبية ولم نحسن لأنفسنا، ونحن من يستحق ذلك وألعن.