منذ عدة سنوات، وبرامج المسابقات الغنائية تزداد نجاحًا في الوطن العربي، بعضها إعادة إنتاج لفكرة أجنبية والآخر بتصور محلي، يعرضها التليفزيون في شكل حفلات أسبوعية تحقق نسب مشاهدة عالية، وتتفوق لبنان فيها لأن لديها قدرة على صناعة الإبهار على مسارحها وكذلك إخراج الحفلات الفنية الناجحة.
يحرص صانعوا البرامج أن يكون المشتركين من معظم الدول العربية ليضمنوا تنوع تصويت المشاهدين للمطربين المشاركين، هناك بالطبع دول لا نسمع عنها في هذه المسابقات مثل موريتانيا والصومال وجزر القمر فهي عربية أيضاً لكن يبدو أن حظ هذه البلدان من الترفيه قليل رغم ثقتي أنها مليئة بالمواهب.
يكون تسلسل البرنامج هو حدوث تصفيات بين المطربين المتسابقين حتى تتبقى أسماء قليلة كما يحدث في أراب آيدول وستار أكاديمي.
في تلك اللحظة تشتعل المعارك الكلامية على صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة بالبرنامج بين مؤيدي المتسابقين من الدول العربية، يتبادلون الشتائم في ذم المطرب المنافس وبلده بدلا من تداول الآراء الفنية حول أصوات المتسابقين، ثم يأخذ النقاش طابعا سياسيا حول تسييس الجائزة خاصة بعد الاضطرابات الأخيرة الحادثة في الدول العربية، فلسطين كما هو حادث منذ عقود ومؤخراً سوريا والعراق، وتم إثارة هذا الموضوع بعد فوز محمد عساف العام الماضي بأراب آيدول وهو فلسطيني لتتناثر الآراء هذا العام حول توقع اعطائها للمتسابق السوري لما تمربه بلده سوريا من أحداث.
وبذلك يتدخل صوت السياسة واضحاً بين تفاصيل المنافسة الفنية، وإن كان الاستخدام السياسي للمتسابقين في رأيي هو استخدام لا يقوم أساساً على الحدث السياسي الغالب وإنما يقوم على فكرة كيفية استخدام هذا الحدث السياسي الغالب في إشعال حمية الجمهور وتحقيق أكبر مكسب من التصويت.
وهنا يظهر الجانب الأهم من لعبة المسابقات الغنائية وهو الربح أو المكسب، فأثناء بدء أحداث الثورة المصرية كانت الروح الغنائية مشتعلة على مسارح هذه المسابقات في الترويج للمتسابقين المصريين فتزداد نسبة المشاهدة فتزيد الإعلانات التي لا تفيد الجهة المنتجة للمسابقة فقط بل تحقق شبكة ربح متداخلة، لأن هذه المسابقات الغنائية لا يكون الهدف منها هو ظهور مواهب غنائية صاعدة فقط فهذا هدف واحد في حين أن هناك أهدافا عديدة دخيلة مثل الترويج لشركات الموضة والمجوهرات ومراكز العلاجات الطبية المعنية بالجمال فيرتدي المتسابقون أزيائها وحليها ويبتسمون بأسنان تم تبييضها في مراكز تجميلية يذكر اسمها في التقارير الفنية المصاحبة للبرنامج.
كل هذه أمور هدفها بعد الربح هو فوز متسابق واحد بجائزة المسابقة، والمسابقات كلها في الغناء وهو أمر لا يعيب الغناء، ولكن يعيبه النظرة الضيقة للإبداع، لا عيب في المكسب وإن أصيب المشاهد بالملل من الإعلانات، لكن العيب أن تكون القيمة الفنية مكررة أو محصورة في نطاق واحد، فهناك أفكار عديدة تصلح للتسابق الفني حولها مثلما يفعل برنامج أراب جوت تالنت الذي يقدم مواهب في كل ماله علاقة بملء الفراغ المسرحي بعمل فني في شكل show أو بعرض يصلح تقديمة أمام جمهور.
لكن هذه أيضا ليست نهاية الأمر، فهناك قيم ابداعية أخرى تستحق أن تقدم لأن الإبداع ليس مقصوراً على الفن فقط، وتمنيت لو أرى برنامج مثل ستار أكاديمي ويعيش فيه مجموعة من شباب المبدعين في مجالات أخرى غير الفن، تحقق ما استطاع ستار أكاديمي تحقيقه من عإقامة وطن عربي مصغر في فيلا صغيرة بأحد أحياء لبنان يتبادلون الخبرات المحلية المتباينة باختلاف بلادهم ويعرفون الجمهور بلهجات جديدة وبلاد توصف وأحلام وطاقات غير محدودة تنقلها شاشات التليفزيون.