محمد صلاح البدري يكتب: الموت الذي نكرهه!!

قال لي:” أنا لا أخاف المرض.. فقط لا أعرف لماذا تصبب مني العرق غزيراً وإنتصب الشعر علي ساعدي حين لاحظت نظرات الحيرة في عيون الأطباء من حولي..وقتها أدركت أن أحدا لا يعرف سبباً لمرضي.. أو بالأصح لا يعرف علاجاً له..”

“كثيراً ما كنت أشعر بالحنق من الأطباء.. إنهم يعرفون كيف يسيطرون علي المرض.. و مع ذلك ..فهم يسمحون له بالكثير من المرح في أجساد المرضي…لماذا يتركون له هذه الفرصة …لابد وأن هناك المزيد من الأسلحة.. ولكنهم حمقي بكل تأكيد فلا يعرفونها.. و لكن لماذا أدفع أنا ثمن حماقتهم؟!”

نظر بعيداً في الفراغ ثم إستدرك في بلادة..

“المشكلة أنني أعرف أنهم سينسونني سريعاً.. ربما أسرع مما أتخيل.. سوف يبكون قليلاً.. ثم يزورونني بضع مرات .. ثم تتباعد الزيارات تدريجياً …ثم ينتهي كل شيء!!..هكذا فعل والدي مع جدي.. و هكذا فعلت معه.. فلماذا أصبح إستثناء؟! ”

ثم أدار وجهه إلي و إرتفعت نبرة صوته “سوف ينتصر المرض في هذه المعركة.. كل الشواهد تؤكد هذا.. وكل اسلحة الأطباء الحمقي قد نفذت .. سوف تتآكل مقاومتي تدريجياً.. وتسقط أجهزة جسدي تباعاً في الأسر.. سوف ينتصر هذا السخيف علي جسدي المنهك.. الذي يثير حنقي بشدة أنها تبدو المرة الأخيرة.. فلن توجد مرة ثانية لآخذ بثأري! ”

هممت بالقيام من علي طرف فراشه فوجدته يضيف في ضعف “انا لا أهاب المرض.. فقط لا أعرف سبباً لتلك الرجفة التي تعتريني.. ولا لتلك القطرات التي تسقط من عيناي بغزارة هذه الايام.. سوف أغادر قريباً..أعرف ذلك…الكارثة انني لا أعرف إذا كان ما أعددته لتلك الرحلة كافياً ام لا؟!

أنا لا أخاف المرض.. فقط أنا مذعور من الوحدة في القبر!”

لم أتمكن من إجابته.. فإكتفيت بإبتسامة مشجعة و أنا أؤكد له أن حالته الطبية في تحسن ملحوظ.. لا أعرف كيف أبدو و أنا أكذب.. و لكنني أعتقد أنني أصبح مفضوحاً للغاية.. فلم أجد أنه مهتم بالقدر الكافي لما أقول!

إنتهيت من تسجيل علاماته الحيوية في الأوراق المعلقة علي نهاية فراشه .. ثم أنهيت عملي بالمستشفي سريعاً.. و خرجت أسير في الطرقات لا ألوي شيئاً.. أركل الحصي الصغير في الطرقات المظلمة ..لقد نجح في أن يجعلني ألعن مهنتي التي تجعلني ألتقي بمن هم مثله..

لقد كان شخصاً مهماً بالفعل.. كنت أعرفه جيداً من صفحات الجرائد.. مازلت أذكر معاركه التي كان يخوضها مع خصومه.. لم يكن يعترف بالرأي الآخر مطلقاً.. كم كان قاسياً!

المشكلة أنني أعرف أن ما يخشاه هو ما سيحدث معي حرفياً .. وربما مع الجميع تقريبا!!

تساقطت دموعي في غزارة وأنا لا أحاول منعها..

إنه يقول أنه لا يخاف المرض.. و لا يهاب الموت.. أعرف أنه يكذب.. كل خلجة من ملامحه تؤكد أنه مثلي تماماً.. يخاف المرض.. و يهاب الموت.. و يمقت الوحدة!