وكأننا أطفال نرتدى “الحفاضات” عالية الإمتصاص، هكذا يتعامل معنا الإعلام فى بلادنا وكأنه الأم فيرضعنا سمومه وأيدولوجياته، والمفترض أن نرضع فى صمت والمضحك أنه بالرغم من انتظارنا عام بعد عام ممسكين بهذا الصدر المترهل، لا يأتى أبداً موعداً للفطام ولا نكبر ولا هو يعجز ولا يجف أبيضه.
ولا نلومه بمفرده بل إننا أيضا شركاء معه فى هذه الجريمة لأننا نعلم أنه كلما أقبل الطفل على أبيض أمه كلما زاد إدراره و تدفقه، وهذا هو شقنا الأساسى فى هذه الجريمة الإعلامية، فنحن من يمتص ما يقدمه الإعلام من مادة ظاهرها براق ولكن باطنها الملل و التفاهة و القبح و تصدير الأيدولوجيات المرتبطة بالمصالح و المؤامرات التى تحاك فى مطابخ هذه المنابر الإعلامية المختلفة، أو مجرد حشو فراغ بالإضافة إلى الكثير من (طق الحنك) والإستعراض سواء بالضاد أو بالصاد.
فنقلب وقت فراغنا ممسكين بالريموت اللعين الذى يحمل فوق لوحته كل الأرقام التى يمكن لعقلنا أن يتخيل وكأنه يحمل عشرات القنوات المحفورة فوق سطحه، وكأنه صندوق أسود يحوى فراغنا و فضائنا و فضائحنا التى لا تنتهى واحدة تلو أخرى، وعندما يأتى اليوم الذى يحتوى أخيرا على بهجتنا من خلال برنامج يطل علينا بإسم بديهى جدا (البرنامج) وأخيرا نضحك من قلوبنا ونفكر مع استغراقنا الممتع فى أنفسنا وصوت ضحكاتنا الذى يملأ المكان ويتخطى حدودنا وحدود الزمن، ونلتف فيه حول أرواحنا بدفئ كنا قد نسيناه وكان قد هجرنا وهجر غرفتنا الدافئة التى تحتوى على هذا الجهاز المدهش و المرعب فى الوقت ذاته، نصحو ذات يوم وقد أوقف باسم فتوقفت معه البسمة وعاد الريموت مرة أخرى مرتديا سواده وعدنا نحن للرضاعة التى لم ننجح أبدا فى أن نصل فيها لمرحلة الفطام.